الصالحي أو الطرق الصالحي .. تجسيد لجملة من الأحاسيس الإنسانية التي تتجلى في هذا النوع الفريد من أنواع الغناء الشعبي في التراث التونسي الضارب في القدم .. ورغم أن معانيه و طريقة أدائه غريبة فتظهر للسامع خاصة الغريب عن المنطقة كأنها طلاسم أو تمتمات غير مفهومة إلا أن فيه معان عميقة و معبرة .. هو في الواقع نوع من الأشعار الغنائية .. التي يتم إلقائها بطريقة تجذب الأسماع و تطرب القلوب و تثير في النفس مشاعر كثيرة غامضة و جميلة في ذات الوقت
وقد استأثر بهذا الفن كبار السن بصفة خاصة فهم من يملكون مفاتيح إتقانه بالشكل المطلوب .. هذا التراث اشتهرت به مناطق الجنوب التونسي خاصة مدينة تطاوين و في منطقة الوسط مدينة سيدي بوزيد.. وقد شاع غنائه في المناسبات و خاصة الأعراس للتعبير عن الفرحة حين يتم تجهيز العروس ليلة زفافها


لهذا الفن عدة أنواع منها النص الشهيدي و النص الدغاري ، كما أن لكل قبيلة أو عرش أسلوبا خاصا يميزه عن البقية .

التسمية ربما تبدو مثيرة للانتباه لكننا لانعلم أصل تسميته بالصالحي وهو يعود إلى قبيلة الجليدات بمدينة تطاوين التونسية.
سيدي بوزيد .. تطاوين و حتى منطقة باجة من الشمال الغربي التونسي عرف عنها هذا النوع الأصيل من الغناء التراثي ولكن لكل منطقة منها ميزة و أسلوب خاص في التغني إلا أن الإحساس هو ذاته لا يختلف .. الفرح و الحزن و الفخر .. الشجن بسبب غدر الحبيب و هجره .. مدح العروس و تمني الفأل الحسن لها .. كلها مشاعر و أسلوب حياة اختاره أهل هذه المناطق من التراب التونسي حتى يعبروا عن ثقافتهم و عاداتهم و يثبتوا هويتهم و يغرسوا هذا الجزء من تراثهم في الذاكرة الشعبية ..


الجدات المسنات واللاتي تبدون بمظهر خاص يميزهن .. لباس تقليدي و غطاء رأس مزركش يسمى المحرمة ووشم زين الجبهة و الذقن يمسل لونه إلى الأخضر نظرا إلى أنه طبع على وجوههن منذ أن كنا شابات فتيات.. الخلخال و الفرادي و الخلال والتي تعتبر أشهر و أعتق المصوغات المفضلة لديهن .. هن لهن مظهرهن الفريد الذي يعود بك إلى فترة الاستعمار أو ماقبل حين كان سكان البلاد يعيشون حياتهم اليومية على وقع ما نعتبره اليوم تراثا .. المأكول و الملبوس .. المناسبات و الممارسات و العادات وحتى الشعر و الغناء كان ذو مكانة خاصة فلم يكن الصالحي مجرد تسلية بل كان أسلوب حياة و مازال لدى هؤلاء المخضرمين متنفسا للتعبير عن ماكدر النفوس و أسعدها ..فلكلور ينشد الذات التونسية و يبرزها من بين الذوات الأخرى .. نسوة بلغن سن الشيخوخة لكن أصواتهن الهرمة ماتزال تنبض بالحياة و تعبر رغم أنك لا تفهم المقصود إلا أن الإحساس بالتأكيد سيأسرك مهما كان مختلفا و قديما .

فن حين تستمع له يأخذك إلى جو ريفي أو صحراوي رائق يفتح شهيتك لترشف كأس من الشاي و التنعم بجمال الطبيعة الهادئة.. الطرق الصالحي يبدو فنا غريبا ربما لدى من لم يألف الذاكرة الشعبية التونسية الصحراوية و الريفية بامتياز .. هذه الذاكرة التي تتجسد في كل هذه الصور و الأصوات و النغمات و الترنيمات والتي تسمى الطرق الصالحي .. حيث يقول الأهالي ..هز الطرق.