الفن في زمن الكورونا

لا يخفى عن أي امرئ أن الفن هو لغة عابرة للقارات منذ القدم، وقد كانت من أولى الفنون فن الرسم الذي أخصه تحديدا اليوم في هذا المقال. عمدت الحضارات القديمة منذ الأزل على توثيق تاريخها وحضاراتها عبر النقوش والرسوم، وهذا ما نراه جليا لدى الحضارة السومرية والحضارة الفرعونية وكثير من الحضارات الأخرى التي تعود إلى ألاف السنين واختفت عبر العصور، وما زال الفنانون حتى يومنا هذا يتبعون الأسلوب عينه لتوثيق أي حدث جلل، على الرغم من اختلاف الأساليب والأدوات. ويبقى هذا الفن هو الرائد الأول للتعبير بكل سهولة بدون لغة ناطقة أو ترجمة ما. واليوم في عصر “جائحة الكورونا” والحجر المنزلي المفروض على معظم الكرة الأرضيّة، وبالطبع على الفنانين أنفسهم، نجدهم يجسدون أفكارهم بلوحات مختلفة لمحاربة هذا العدو الخفي ولدعم المجتمع الذي يعيشون فيه. دعوني أعرض عليكم بعضا مما استوقفني على صفحات التواصل الاجتماعي لبعض الفنانين العرب:

 

وائل ربيع، فنان فلسطيني

نرى الفنان اختار صورة لطبيب منهك القوى، وقام برسمه كملاك… معلقا على الصورة حين نشرها: نجدهم يسهرون لنحيا وتحيا البشرية، فلملائكة الرحمة منا كل التحية والتقدير ” رؤيتي لهذا الجندي المجهول الذي اشكره واستمحيه العذر عن استخدامي لصورته دون إذنه لجهلي به”

لقد جسد الطبيب كملاك في السماء لا شيء حوله سوى أشعة الشمس وهي تعبيرا عن الأمل والدفء الذي ننتظره من الطاقم الطبي كاملا حول العالم، وإلى جانبه تنبت وردة حمراء يعبر فيها عن الحياة التي يساهم في إنقاذها، ويبدو التعب والحزن على وجهه

 

 

رضوان الفرخ، فنان لبناني

تمت مشاركة هذه اللوحة في معرض إيران الدولي لفن الكاريكاتور عبر الإنترنت تحت عنوان “سوف نهزم الكورونا

اللوحة تجسد  الوباء بطريقة كاريكاتورية، إذ يظهر أشخاص يحملون الفايروس نهارا وحينما يأتي الليل يحمل المرض الناس في نعوشهم، بذكاء وحنكة جمع الفكرتين معا في صورة واحدة، نلاحظ الألوان المستخدمة حزينة نوع ما ولا يوجد أي تفاصيل أخرى في اللوحة حيث يظهر الاعتماد على الفكرة بشكل أساسي كرسالة توعية موجهة للعامة.

 

 

نسرين شبيب، فنانة لبنانية

رأت الفنانة نسرين أن الطاقم الطبي هو مجموعة من جنود الخط الأمامي الذين يحاربون الوباء بكل جهد وإصرار وهذا واضح بطريقة سيرهم الهجومية نحو الباب، لقد جرّدت الصورة من أي تفاصيل ممكن أن تحيّد نظر المشاهد عن الهدف الأساسي، فلا نجد على الحيطان أي ملصق أو صورة ولا يوجد أي كرسي لا يوجد سوى الأطباء. وهذا ما نعول عليه اليوم، وجود الأطباء إلى جانبنا فقط. تقول الفنانة أن هذه اللوحة هي تقدير منها لجميع الطواقم الطبية حول العالم.

 

 

طارق الأغا، فنان عراقي

نأتي لنظرة أخرى، باختلاف كل ما رأيناه أعلاه، نجد الفنان طارق يجسد الوباء عبر أنثى عصريّة الملامح، البسها القناع على وجهها الجميل ورسم جمجمة في رئتيها ليعبر عن الموت الذي ينتظرها وهو المكان الذي يعشش فيه المرض، ترى هل يقصد الأنثى فعلا كامرأة أم أنه يجسد أمة كاملة عبر المرأة نفسها؟

 

 

مصدرالصورة: موقع LE PARISIEN

بالطبع معظم الفنانين في جميع الدول شاركت هذا الحدث، نرى الكثير من الرسومات تغزو صفحات التواصل الاجتماعي والمجلات على اختلاف توجهاتها. وكانت حصة الحب للفنان الفرنسي ايربان كرستيان جيامي، الذي رسم عاشقين صينيين يقبلان بعضهما البعض على زاوية حائط في الشارع، قال أنها أخر ما رسمه قبل الحجر المنزلي، اسماها الحب في زمن الحجر، ومن ثم عرض اللوحة للبيع حيث سيعود ريعها إلى مستشفى باريسي يعالج مرضى الكورونا.

 

مصدرالصورة: موقع FRANCEINFO

 

 

مصدرالصورة: موقع Directfm

ونختم مقالنا هذا مع لوحة عن فرنسا المتألمة، صاحبة عدد كبير من المصابين دون أن ننسى أن حصة الأسد لهذا الوباء هي إيطاليا، نلمس أن الجهود المبذولة كلها تلتف حول الطفل “فرنسا” الذي تحتضنه الممرضة بحب وحنان والجميع يساهم بدعمها حتى تبقى صامدة وتمد له يد العون وتعالجه للخروج من هذه الأزمة.