تعتبر صناعة الفخار من الفنون القديمة جدا والتي بدأت مع بدايات الحضارات الأولى فقد استخدم الإنسان القديم أواني المائدة كبداية ثم تحول إلى فن تشكيلي مع مرور الوقت إذ تحول من وظائف المائدة إلى تزيين الجدران، ففي بلاد ما بين النهرين ظهر فن الخزف والفخار في عصور ما قبل التاريخ حيث زينت جدران المعابد بأوتاد صغيرة من الفخار المزجج الذي استخدم في تغليف جدران المقابر أيضاً والقصور في مدينة الوركاء الواقعة في جنوب العراق في محافظة الناصرية وهي من المدن التاريخية العريقة لما لها من إرث عظيم وبتدأت هذه المدينة بالفن منذ 4500 ق.م أي قبل التاريخ ومروراً بعصر فجر السلالات كالعصر الأكدي والسومري والبابلي القديم والحديث.

وفي القرن الحادي عشر الميلادي كانت أعمال الخزف في العراق متأثرة بالطابع الساساني ، فكانت الزخارف المستخدمة تشابه مثيلاتها في الشام ومصر، وكانت الزخارف تخلو من رسوم الأشخاص ، وكان الفخار غير لامع يزخرف بالحز وبالدهان وبأختام خاصة أو بضغط عجينة من الطَّفل على سطح الإناء الفخاري لتزيينه ، وما زالت تستعمل هذه الزخارف على الأواني الفخارية حتى اليوم.

وبدأ الخزافون في إعطاء سطح الفخار طبقة لامعة وذلك بمنحه طلاءا أبيض يحتوي على مادة قصديرية.

أما فن الفخار العراقي الحديث فقد ابتدأ قبل منتصف القرن العشرين الماضي بعد تأسيس معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1935، حيث بدأ فيه تدريس الفنون التشكيلية الحديثة، حيث يعتمد وبشكل أساسي على الطين الأحمر الذي يعرف في العراق باسم “الطين الحر”، أي النقي والذي يستخرج من قعر النهر ويصفى من الشوائب ويضاف إليه خليط “البردي” (سعف النخيل)، والذي يتم جلبه وتخميره في أحواض بشكل مستطيلات وينشر للتعرض لأشعة الشمس قليلاً، وبعد تصنيع الشكل المراد يتم وضعه في تنور طيني كبير (فرن) يعتمد على الحطب وذلك لأجل تجفيف المنتج النهائي الطيني.

وفي الوقت الحالي ممن يشتغلون على آلة صناعة الفخاريات تسمى الجرخ وهي عبارة عن أسطوانة في الأعلى وتتصل من الأسفل بواسطة عمود يثبت على أسطوانة أصغر تحرك من خلال قدم الخزاف. لاحقا بات يستخدم الماطور الكهربائي بديلا عنها، أما أنواع الأواني الفخارية فهي: السندانة والحِب جرار فخارية لتبيريد الماء وشربة الماء (تُنكَة) التنور الطيني وطور الماء المخصص لشرب الطيور. والبستوكة لحفظ الأطعمة والمعجون.

ويوضح أحد الكوازين أن “المهنة تعتمد على التراب الأحمر، وهو تراب خاص يكون مشبع بماء المطر نأخذه من مناطق خاصة لا زرع فيها ولا سكن، ولم تطأها قدم، أي بعيدة عن استخدام الإنسان والحيوان. ونعمل على تخمير التربة بإضافة كمية من الماء ثم تنشيفها بعرضها تحت الشمس”.
مشيرا الى أن “صناعة الجرة تبدأ من نوع خاص من الطين، ثم تجفف في الظل وتوضع بعدها في الفرن بدرجة حرارة عالية لمدة لا تقل عن 15 ساعة”، وحول طريقة تجهيز الفخار يقول: “أدعكها بالقدم وبعدها أقطعها حسب حاجتي، بأشكال مختلفة مستخدماً ماكينة بسيطة.. تدور العجينة الطينية عليها. وأصنع منها الأباريق أو أي شكل آخر مطلوب مني. ثم أعرضها للشمس حتى تجف وبعدها أدخلها إلى الفرن (هو عبارة عن غرفة تبنى من الطين والتبن)، وتتوسطه حفرة تملأ بالحطب، ونشعله حتى تجف قطع الفخار تماماً وتجهز للاستخدام، مضيفاً بأنه يجب أن يكون الخزاف نحاتا ورساما ومبدعا وخطاطا ومصمما من الدرجة الأولى كونها تعتمد على التفاصيل.

فيما أشار إلى أن المهنة شبه منقرضة في العراق ولم يبقى إلا القليل ممن يمتهنوها، بسبب غلاء المواد الأولية والتنور وغياب الدعم الحكومي وكثرة المستورد، إلا أنها قد أصبحت مع مرور الزمن جزءا أصيلا من التراث العراقي.
ويستذكر الكواز قائلا “كان أصحاب المشاتل في بغداد ومحافظات أخرى يأتون إلينا لشراء الآلاف من أواني الزرع، لتوضع فيها ورود وشتلات، فهي مناسبة للزراعة والبيئة وسعرها لا يتجاوز ألفي دينار” أي أقلّ من دولارين، ويضيف “لكن أكياس البلاستيك المستورد من الصين وبأسعار زهيدة جداً باتت تنافسنا، وصار أصحاب المشاتل يستخدمونها بكثرة اليوم، وقد تخلوا عن السندان الفخاري، إلا القليل منهم”

وتقول إحدى السيدات التي ما زالت تفضّل التنّور على الأفران الحديثة بأن “الرغيف الذي يخبز في التنور الطيني له نكهة زكية وطعم خاص يختلف عن الذي يخبز بالأفران الكهربائية والغازية الحديثة”.

ومن الأدوات الفخارية المنتشرة في هذا البلد ودول عربية عديدة ما يسمى في العراق “الحِب”، وهو وعاء فخاري كبير لحفظ ماء الشرب، ويعرف في مصر وبلاد الشام باسم “الزير”، وفي المغرب وبلدان عربية أخرى “الخابية”.

والجدير بالذكر فإن بلاد الرافدين، وخصوصاً الجزء الجنوبي منها، عرف هذه الصناعة مبكرا، واستمرت إلى وقت قريب من القرن الماضي، ولا تزال أرياف الجنوب العراقي تشهد هذه الصناعة.