في هذا المقال، نتحدث حول موضوع يعتبر واحدًا من أهم المواضيع التي تحمل إرثًا فنيًا عظيمًا للأمة الإسلامية والعربية، وهو المخطوطات الإسلامية وما يرتبط بها من فنون الرسم والشعر وغيرها..

 

المخطوطات الإسلامية : هي ما خطه المسلمون بخط اليد من علوم الدين والفلك وغيرها، بالإضافة للشعر و الأحاديث والقصص وروايات العظماء. وقد كانت هذه الطريقة الوحيدة التي تمكن المسلمين من ضمان حفاظهم على علومهم وموروثهم الثقافي والعلمي في ذلك الوقت، حيث نجد إلى يومنا هذا أعدادًا لا متناهية من المخطوطات التي تشرح تفاصيل مواضيع شتى نكاد نعجز عن حصرها.

 

 

 

وقد كانت فكرة المخطوطات -بشكل عام- قد ظهرت بشكل متواضع قبل الإسلام، لكن ما قام به المسلمون يُعتبر إبداع غير مسبوق في هذا المجال، حيث قاموا بتطويرها وإعطائها مكانة غير مسبوقة من خلال إضافة الرسوم التوضيحية لها، وقد كانت هذه الرسوم التوضيحية تُعبر عن قصص الدين أحيانًا وتُجسد الإنسان والنبات والحيوان إحيانًا أخرى، بالإضافة إلى المنمنمات الإسلامية التي باتت عنصرًا أساسيًا مُكملًا للمخطوطات.

لطالما اهتم المسلمون بالكلمة، والأساس في هذا الاهتمام هو كون العربي فصيح اللسان، وهذا أهم ما يميزه بين أبناء الشعوب الأخرى، حيث لا يمكننا أن نغفل ببساطة عن روعة الشعر العربي الذي كان -وما زال- يلعب دور تعويذة سحرية على مسامع متلقيه، فلجأ العرب المسلمون كبداية لتوثيق سحرهم الشعري خوفًا من فقدانه، إلا أن ما عزز ظهور المخطوطات على مستوى البلاد الإسلامية الأخرى (كبلاد فارس والهند.. )، هو توثيق المسلمون للقرآن والأحاديث النبوية الشريفة توثيقًا كتابيًا؛ مما ساعد الثقافات المسلمة غير العربية على الالتفات لهذه الطريقة للحفاظ على كلمتهم وعلومهم كذلك.

 

 

جزء من مخطوطة كُتبت بالخط الكوفي

 

 

الخط والمواد المستخدمة

فيما يتعلق بالخط العربي، فقد اعتمد الخطاطون خطوطًا عديدة، وتفننوا في توظيف الخط ونوعه بما يتناسب مع شكل الصفحة أو طبيعة الموضوع أو حتى ملائمة الرسم المرافق. إلا أن المعيار الأهم الذي لعب دورًا في اختيار الخط، هو مراعاة استعمال خط سهل وسريع في الكتابة، ونذكر على ذلك مثالًا، بأن الخط الكوفي الذي كان أكثر أنواع الخطوط قبولًا لجماليته العالية، قد تم استثنائه واستبعاد استخدامه في بعض الكتابات وذلك للبطء الذي يُلزم به الكاتب نفسه عند استخدامه.

أما فيما يتعلق بالورق المستخدم -أو الأصح قولا الأرضية التي تم استعمالها للكتابة- فقد لعب الجلد دورًا عظيمًا هنا، حيث تم استخدام جلود الحيوانات بعد دبغها، مثل جلود البقر والغزلان والغنم.. وقد أعيد تصنيعها بعناية ليتم الاستفادة منها بأفضل صورة ممكنة، بالإضافة إلى العناية الشديدة في إظهارها بصورة جمالية عالية، حيث تم إضافة الذهب والفضة لها-عن طريق الكي- في مخطوطات معينة. وقد كانت هذه تقنية متميزة انتشرت في بلاد المغرب والأندلس وانتقلت فيما بعد إلى اوروبا.

 

جزء من رسم توضيحي لإحدى المخطوطات – puplic domain photos

 

 

الرسم والتزيين: كما ذكرنا في بداية هذا المقال، فإن التزيين قد لعب دورًا مهمًا في تطوير هذه المخطوطات وإظهارها بصورة جذابة جدًا للقارئ، وقد اختلف موضوع الرسم بناءًا على موضوع المخطوط، ففي العلوم الدينية والأمور المتعلقة بالقرآن والحديث، كان الفنان يبتعد عن التجسيد ويلجأ أكثر إلى الزخرفات النباتية والهندسية المتنوعة، بالإضافة إلى المنمنمات ذات الطابع التجريدي. وفي الكتابات والمخطوطات القصصية كان لابد للفنان من أن يقوم بتصوير الشخوص وتخيل الأحداث بتسلسلها ليساعد على إضافة بُعدًا بصريًا للقصة.

من المعروف لدى أغلبية المطلعين على الفنون الإسلامية، وجود بعض الفتاوي التي تشير إلى حركة التصوير أو التجسيد في الرسم، إلا أن الفنان المسلم قد قام فعلًا بالتصوير في العديد من الأعمال الفنية البسيطة والرسومات التوضيحية للكتب، وقد كان للحضارة الصينية والمغولية أثرًا كبيرًا في ذلك، وقد بدأ التصوير بالظهور في العام الرابع الهجري تقريبًا.

 

أما فيما يتعلق بالألوان المستخدمة، فقد تم استخدام ألوان زاهية بطريقة مُلفتة للنظر ومريحة للعين في الوقت ذاته، حيث يشغل بالك لوهلة كيف تمكن الفنان من توظيف هذا الكم من الألوان في هذه التفاصيل البسيطة. ومن الجدير بالذكر بأن المسلمون قد قاموا بإنتاج هذه الألوان وصناعتها من مصادر عديدة، منها النباتات والأحجار الكريمة والتربة.

 

 

 

أمثلة على المخطوطات:-

1) مخطوط الشاهنامة- كتاب الملوك :

للشاعر الفارسي “منصور أبو قاسم الفردوس”

خُط في الهند في عام 1227هـ، يحتوى على 179 منمنة، و 60.000 بيتًا شعريًا قُدمت للسلطان محمود الغزوني، ويصوّر المعارك والحروب وبعض المشاهد من الحياة المدنية، مثل رحلات الصيد.

 

 

 

صورة من مخطوط الشاهنامة

 

 

2) مخطوط ديوان الحافظ:

للشاعر الفارسي “حافظ” والذي يعتبر واحدًا من أهم شعراء بلاد الفرس.

كُتب المخطوط باللغة الفارسية، ويحتوي 258 صفحة في كل صفحة 13 بيتًا شعريًا، بالإضافة إلى 9 منمنمات ملونة.

 

 

3) مخطوط دلائل الخير:

ألفه عالم الدين المغربي “محمد بن سليمان الجزولي” في القرن التاسع الهجري في تركيا.

كُتب هذا المخطوط في 120 صفحة في مدح النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في أبيات شعرية، بالإضافة إلى وصف في حياته وعباداته وأدعيته. يحتوى الكتاب على منمنمات رائعة تصور لنا المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف على خلفية ذهبية ساحرة.

 

صورة من “دلائل الخيرات” تمثل منمنة للمسجد الحرام
-puplic domain photo-

 

جزء أخر من مخطوط “دلائل الخيرات”
-puplic domain photo-

 

 

المراجع:-

-المنتخب في الفنون الإسلامية، بيت القرآن/ المنامة 2002

-عطية، منى/ أبرز الآثار العربية والإسلامية ودلالاتها التاريخية.