تعتبر المدرسة التأثيرية (الإنطباعية) الثورة التمهيدية الأولى للقرن الحديث ، فمن خلالها تحررت الرؤية الفنية للطبيعة ، بعد أن كانت خاضعة للمنهج الأكاديمي . ويرجع الفضل في هذا التحرر الأساس العلمي لطبيعة الضوء ، وهي دراسة علمية مستمدة من أبحاث تحليل الطيف الشمسي قام بها العالم “إسحق نيوتن” حيث تمخضت عن الألوان السبعة المعروفة بـ قوس قزح و كذا أبحاث العالم “هلم هولتس” في نظريته الفيسيولوجية للبصريات وارتباطها بأعصاب العين ، التي تقول بأن شبكية العين تحتوي على عدد كبير من الجزيئات اللونية حيث يشمل كل جزء منها اللون الأخضر والأحمر والأزرق المائل للبنفسجى حيث تكون الرؤية نتيجة للعلاقة القائمة بين الضوء وشبكية العين. 

وإذا كان هذا الكشف العلمي قد أحدث انقلابا كبيرا في كل من الفن الفوتوغرافي والسينمائي الملون في القرن العشرين ، فقد كان له أثر ضخم في الفن التأثيرى في نهاية القرن التاسع عشر.

الأساليب الفنية التأثيرية

 أدت مراجعة هذه الأبحاث إلى تطبيقات فنية تقوم عليها طرق الأداء في الحركة التأثيرية وتنحصر أساليبها فيما يلي :

 ١ – الطريقة التقسيمية للألوان Divisionism.

وتعني تقسيم الألوان الثلاثية على اللوحة إلى عناصرها الأولية من الأحمر والأصفر والأزرق على هيئة بقع لونية ولا بأس باستعمال الألوان الثانوية.

 ۲ – الطريقة التنقيطية Pointalism.

تعنى بوضع هذه الألوان المنشورية التي نشاهدها في قوس قزح إلى جانب بعضها في مساحات الأشكال على هيئة نقط متجاورة ويشاهد هذا الأسلوب بوضوح في أعمال كل من الفنان سيرا وسينياك .

 ٣ – الطريقة الضوئية Lumicism .

تعنى بدراسة الضوء في أوقات مختلفة لمنظر واحد كما قام بذلك الفنان مونيه ولا يمنع ذلك من استخدام النقط اللونية المتجاورة حيث يمكن للمشاهد عن بُعد أن يرى الانطباع الذي يهدف إليه المصور في الصورة كما تتلاشى النقط عن بعد ، إذ تمتزج على شبكية العين وتعطى للرائى التأثير المطلوب إيضاحه في الصورة ويطلق على هذه العملية اصطلاح ( طريقة الامتزاج البصري The Optical Blending ) .

العوامل الفنية الهامة في الفن التأثيري

عندما سُئل الفنان مانية عن لوحة أنجزها في هذا الطراز و كانت تشمل في تكوينها عددا من الأشخاص عن أهم شخصية في لوحته ، أجاب بأن أهم شخصية في اللوحة هو الضوء ، ولقد كانت إجابة حاسمة بالنسبة للفن التأثيرى ، حيث يعتبر الضوء هو العامل الأول والأهم في العمل الفني ، إلا أنه يتبع ذلك مجموعة من العوامل الأخرى تميز أسلوب هذا الطراز عن غيره من الأساليب الواقعية السابقة منها : عدم الاهتمام بالناحية الموضوعية للوحة ، وأن ينظر للتكوين الذي يشمل الشكل العام ككل واحد بمعنى أن الفنان عند الأداء يعمل على امتزاج الأشكال ببعضها كما أن البعد في الصورة يمثل امتدادا واحدا لا عدة امتدادات .

فنانوا التعبيرية 

كلود مونيه Claude Monet ( ١٩٢٦ – ١٨٤٠ ) :

 أول شيء اهتز له الشباب من التأثيريين ، النظرية العلمية التي كشفها “نيوتن” بأن الضوء يشكل الحقيقة ، وعلى ذلك بدأت تظهر المحاولات الجديدة في التصوير التي تختلف عن المنهج الأكاديمي الميت . فقد حاول كلود مونيه أن يطبق النظرية ، كان يستحضر معها حوالي ستة عشر لوحة للتصوير ويقف بحاملة أمام كاتدرائية روين ( Rouen ) ثم يبدأ التصوير بسرعة خاطفة مسجلاً ضوء الشمس فوق واجهة الكنيسة ، رسمها بفرشته مباشرة كتأثير ضوئي سريع لإحساساته المباشرة عن هذا الضوء الذي يسقط على الكنيسة ، وما أن تمر خمسة عشر دقيقة حتى تكون الشمس قد ارتفعت قليلاً ، فيتغير تأثيرها على الكاتدرائية ، وهنا نجد مونيه يستبدل لوحته بأخرى يحاول فيها محاولة جديدة لتسجيل ذلك الضوء بحالته المستحدثة ، وهكذا يتغير الضوء بارتفاع الشمس مرة ثالثة ، فيغير اللوحة إلى ثالثة ثم إلى رابعة وهكذا . 

ويبدو هنا أن القيم الأكاديمية في الفن لم تكن مدخلاً له . وما زالت أعماله من أهم ما تحتفظ به متاحف الفن المشهورة في العواصم العالمية . ولاتظهر في لوحاته خطوط قوية ، أو تباينات ، وإنما سطح عام لكيان الكنيسة بتفاصيل نحته البارز مجملة ، وأبوابه الضخمة تظهر بلا تمييز كبير مع جدران الكاتدرائية ، وصورة أشبه بالأحلام الرومانتيكية التي لاتعثر فيها على شيء صلب .

فنسنت فان جوخ (١٨٥٣-١٨٩٠) Vincent Van Gogh 

فنسنت فان جوخ ، وهو  من أصل هولندي ، نزح إلى باريس وشارك في خضم المعركة التأثيرية بإنتاجه ، الذي اتسم بالتعبيرية ولذلك يمكن وصفه بأنه تأثيري تعبيري وقد كانت لضربات فرشته المتلاحقة أثرها في إيجاد تقنية في التصوير أثرت على جيل بأسره ، وحرر بمقتضاها التصوير من الألوان الميتة المحفوظة بطابعها الأكاديمي ، إلى ألوان زاهية تكاد تكون من الألوان المتيسرة في البالتة مباشرة . ويعتبر فان جوخ شخصية فريدة ، ليس في المدرسة التأثيرية فحسب بل في تاريخ التصوير ، فهو من النوع الذي عانى في حياته . 

وكان يرى فان جوخ وهو يرتاد الحقول ليرسم المناظر الطبيعية التي تبدو فيها تلك الحقول الشاسعة لسنابل القمح الصفراء ، كما رسم المقاهي ، وعباد الشمس ، وصور لوجوه متعددة الشخصيات كانت تتعامل معه ، صور زوجي حذائه ، وغرفة نومه ، ومقعده ، وبعض الكبارى ، والزوارق ، كل هذه وجدت اهتماماً منه ، فسجلها في لوحاته المنتشرة الآن في المتاحف الهامة بأنحاء العالم .

بول سيزان Paul Cezanne ( ۱۹۰۱ – ۱۸۳۹ ) 

يعتبر سيزان أباً للفن الحديث ، وميزته أنه كان ناقداً للحركة التأثيرية في عمومها ، فقد راعه ميوعتها ، وعدم ارتباطها بالتراث السابق الذي حققه أساتذة الفن القدامى ، لذلك آل على نفسه أن يعيد “نيقولا بوسان” بعد دراسة الطبيعة ، أو يعيد للأجسام صلابتها التي كانت تتميز بها أعمال أساتذة الفن القدامى . وأحياناً تنتمي أعماله إلى فترة ما بعد التأثيرية أو التأثيرية البعدية post impressionism ، لأنها تختلف حقيقة عن الاتجاه الذي بدأه مونيه . واشتهر سيزان بمناظره الطبيعية ، والطبيعة الصامتة التي كان يرسم فيها التفاح وبعض الأواني ، كما ظهر الجسم العاري في عديد من صوره ، ويعتبر سيزان أباً للتكعيبية ولعله المصدر الأول لفكرتها ، فقد قال ملاحظة هامة : “إن كل جسم في الطبيعة يمكن تلخيصه إلى معادله الهندسي؛ إلى المكعب ، والمنشور ومتوازي المستطيلات” .

بيير أوجست رنوار Ouguste Renoir ( ۱۹۱۹ – ۱۸۹۱ )

وعلى يديه وصلت التأثيرية البعدية أو اللاحقة ذروتها ، ففي إنتاجه جمع بين الألوان الصافية المعبرة ، وبين صلابة الأجسام ، والبعث الثالث في نفخة تعيد إلى الأذهان أعمال بعض عمالقة الفن القدامى أمثال : روبنز ، و تيشيان ، و تنتورتو ، وغيرهم ،  ولكنه كان محملاً بتجربة جديدة مليئة بالحيوية ، فألوانه نظيفة ، ومعبرة ، وتبني البعد الثالث بطلاقة وحيوية وبتدرج وصلابة ، وله لوحات عديدة مليئة بثراء الملمس . وله أعمال في النحت لاتقل أهمية . 

ويلاحظ أيضا أن الثورة اللونية التي قادتها الحركة التأثيرية ، تجد تبلورا متزنّا في أعمال رنوار بمدخل يبعث بما يمكن تسميته (الكلاسيكية الجديدة ) .

إدجار ديجا Edgar Degas ( ١٨٣٤ – ۱۹۱۷ ) 

 إدجار ديجا من أهم الشخصيات في الحركة التأثيرية ، لأنه أكد إيقاع الحركة في صوره : لراقصات الباليه ، والخيل ، والمستحمات ، وغير ذلك ، واتضح معنى الحركة في أعماله حين حولها إلى إيقاع يتردد في شتى صوره ، وبخاصة صوره عن راقصات الباليه . 

والباليه أصلاً فن قائم بذاته ، تبدع فيه الفتيات النحيلات كثيراً من حركات : الأذرع ، والسيقان ، والأصابع والرقاب ، والأجساد ، بتوقيتات تتحقق على دقات الموسيقى وإيقاعاتها فكأنه بالصورة التشكيلية أعطى معادلاً للإيقاعين : الحركي ، والموسيقي ، الذين انعكسا في فن الباليه ، ثم إنه كان يتحرى لقطات معينة يؤكد فيها عمليات التكرار ، والترديد ، ويمكن تأمل ذلك في أوضاع الأقدام التي تقف أحياناً على إصبع واحدة .