بدأ لفظ التكعيبية بالظهور، عندما بدأ النُقاد والمحللون بالحديث حول الأعمال الفنية التي ينتجها روّاد هذه المدرسة. الذين اعتمدوا أسلوبا يبتعد عن التصوير الواقعي ابتعادا كلياً، فيكون هُنا التشكيل أو الشكل العام للعمل-إذا صح التعبير- ذو أهمية كبيرة، بحيث لا يهم أي موضوع أو لون بالقدر الذي يهم به ترابط الأشكال بالعمل.

وقد اعتمد التكعيبيون تسليط الضوء على البناء الهندسي للأشياء من حولهم، بحيث كل شكل في الطبيعة يعود اسأله الهندسي (مربع دائرة مستطيل مخروط.. ) وعلاقة الأشكال الأساسية ببعضها البعض، وكيفية الترابط وعند الحديث هنا عن الروّاد لهذه المدرسة، فإن أول من يتبادر لأذهاننا -بالطبع- هو بيكاسو.

حين اكتشفنا التكعيبية ..

لم نكن نقصد بتاتا اكتشافها، وإنما

كنا نوّد التعبير عمّا في أنفسنا”

– بابلو بيكاسو

نبذة عن الرواد

بيكاسو 1181م

هو الفنان الإسباني الشهير الذي أقام معرضه الأول في عمر صغير جدا (16عاما) مما دل على موهبة فذّة في عمر مبكر. بالإضافة إلى سفره وترحاله بين عدد من الدول، كباريس وإيطاليا وغيرها.. وكان أسلوبه الفني يتغيّر ويتطوّر مع ترحاله وسفره. وقد تلقت أعماله اهتماما كبيرا جدا في حياته وشهرة واسعة في محيطه.وقد توصل إلى التكعيبية بعد سنوات طوِال من العمل والاجتهاد وممارسة أساليب فنية عديدة.

جورج براك – 1882م

فنان فرنسي، ارتبط اسمه باسم بيكاسو عند بدء الحركة التكعيبية. كان له أسلوبا مميزا منذ البداية، فكان يُعرض عن الخطوط المنحنية والانسيابية، ويتجه للخطوط الحادة والمزايا والأشكال الهندسية، إلى أن توصل مع بيكاسو اخيرا إلى التكعيبية، بعد أن كانت يقضيا ساعات طويلة في الحديث والنقاش والتحليل حول أسلوبهما الجديد. وقد تشارك معهما في هذا عدد من الفنانين الآخرين، مثل: ماكس جيكوب، جويلام ابولينير، موريس راينال، وآخرون..

صورة للفنان جورج براك

البداية

ظهرت بدايات هذه المدرسة مع الفنان “بول سيزان” ، فقد ذكر سيزان مسبقا فكرة أن الأجسام في الطبيعة أساسها الشكل الهندسي، وأن هناك منهج بنائي واحد للأعمال الفنية، وعلاقة التركيبية تربط الأشكال ببعضها البعض. فمَهَد الطريق لزملاءه من بعده، وقاموا هم بدوّرهم بتطوير هذه الاحتمالات والعمل عليها بجديّة. ولم تكن أفكار سيزان صاحبة الأثر الوحيد على بيكاسو ورفاقه، بل قد تأثروا بفنون أجنبية كثيرة كذلك، والفنون الإفرنجية والأفريقية، التي لها دراسات وتخطيطات عديدة تعتمد فيها بشكل بحت على الأشكال الهندسية.

في الفترة ما بين (1911م – 1915م) كان كل من بيكاسو وبراك قد كوّنا صورة أوضح عمّا يريدان التعبير عنه، وقد اتفَقا بصورة كبيرة جدا، إلى الدرجة التي تجعلك غير قادر على التمييز بين الأعمال الفنية التي يقومان بإنتاجها.

أعمال للفنان جورج براك

الأسلوب

في المدرسة التكعيبية يعتمد الفنان -كما ذكرنا مسبقا- على رسم الأشكال بصوّر هندسية، ويقوم بإدخال هذه الأشكال ودمجها مع أخرى، ثم يقوم بدمج مجموعات الأشكال معا ليكوّن صورة، فيظهر أمامك هذا التداخل العجيب في التكوين الفني.

وقد ظهرت التكعيبية في بداياتها مسطّحة، كما نراها في لوحة “نساء افنيوين”، و لوحة “الموسيقيين الثلاث” لبيكاسو. ثم ظهرت فيما بعد بصورة أكثر تجسيما وتركيبا، كلوحة “امرأة جالسة” لبيكاسو أيضا. وعلى الاختلاف بين المسطحة والمجسمة، إلا أن المشترك في جميع الأعمال التكعيبية هي بأنها تدفع العقل للتركيز على العمل ككُل، حيث موضوع العمل الأساسي هو التكنيك والشكل نفسه، ولا يهُم أ يكون هناك موضوع حقيقي مُعين يطرحه الفنان من خلال عمله.

لوحة “نساء افينيون” للفنان بيكاسو، والتي تُظهر التسطيح في بدايات التكعيبية
photo by:
Gautier Poupeau

لوحة لبيكاسو تُظهر التجسيد الذي ظهر في التكعيبية فيما بعد
photo by:
Pedro Ribeiro Simões

العمارة والنحت بالتكعيبية

كما قام الرواد بتطوير اللوحات التكعيبية، بالتأكيد لم يغفلوا عن النحت والعمارة، وذلك بلا شك بسبب الارتباط الوثيق بين هذه المجالات.

قام بيكاسو بإنتاج منحوتته “رأس امرأة” في عام 1910م تقريبا، وتم اعتبار هذه المنحوتة كأول عمل نحتي تكعيبي حقيقي، وقد اعتمد بيكاسو في عمله السطوح الهندسية والزوايا الحادة.

وعلى الرغم نجاح التكعيبية في النحت، إلا أنها لم توازي اللوحات نجاحا، وقد يعود السبب في ذلك إلى أن التكعيبية أساسها الابتعاد عن التجسيد والخروج عن المألوف في ذلك، فكان من الصعب إنجاز ذلك بقوة ووضوح في العمل النحتي كما في اللوحة.

منحوتة “رأس امرأة” لبيكاسو
photo by:
Sharon Mollerus

أما فيما يتعلق بالعمارة، فقد اعتمد المعماريون على استعمال الأشكال المبسطة في تصاميم البناء، وإعادة تشكيله بحيث يتم استخدام الأشكال الهندسية، ويكون الأساس في التصميم الخطوط المتقاطعة والتي تظهر بحدة وبساطة بعيدا جدا عن النمط التقليدي للبناء، وبالطبع فإن هذا النمط من العمارة ما زال مستخدما إلى يومنا هذا، بل تكاد تون جميع الأبنية المعاضرة قد اعتمدت هذا الأسلوب.

ملخص لأهم ما قامت المدرسة التكعيبية بإضافته:

1- الاهتمام بالشكل الهندسي للعمل، وتشجيع الجيل التالي للنظر للعمل الفني من وجهة نظر تشكيلية بحتة.

2- الابتعاد عن الفن التشكيلي كتابع لدين أو سياسة أو أي أيديولوجيا، واستقلاله بذاته.

3- تعزيز المعنى التعبيري للعمل، فالأشكال وتلاحمها وتراصها يظهر التعبير المطلوب، وليس بتصويره بشكل مباشر.

بوحة للفنان “ألبرت جليزس”
photo by:
Mark B. Schlemmer

لوحة للفنان “أميديو دي سوزا”
photo by:
Pedro Ribeiro Simões


المراجع :-

– البسيوني،محمود: الفن في القرن العشرين،مركز الشارقة للإبداع الفكري.

– محمد،حسن: مذاهب الفن المعاصر، مركز الشارقة للإبداع الفكري.

-الخوري،مهاة: (1988): الفن في القرن العشرين،دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر