يقول أستاذ الرياضيات في جامعة ستانفورد كيث ديفلين: “بالمعنى الدقيق للكلمة، من المستحيل أن يقع أي شيء في العالم الحقيقي في النسبة الذهبية، لأنه رقم غير منطقي، ولا يمكن تطبيقه بصرامة على أي كائن في العالم الحقيقي، بل يمكن فقط الوصول لنسب قريبة جدًا منه”.

وأما فيما يتعلق بجمالية النسبة الذهبية فيقول: “نحن مخلوقات مبرمجة وراثيًا لرؤية الأنماط والبحث عن المعنى وليس في حمضنا النووي أن نكون مرتاحين للأشياء التعسفية مثل الجماليات، لذلك نحاول دعمها بإدراكنا المحدود للرياضيات، لكن معظم الناس لا يفهمون الرياضيات حقًا، أو كيف تنطبق حتى صيغة بسيطة مثل النسبة الذهبية على نظام معقد، لذلك لا يمكننا التحقق من الأخطاء ويعتقد الناس أنهم يرون النسبة الذهبية من حولهم في العالم الطبيعي والأشياء التي يحبونها لكنهم لا يستطيعون إثباتها في الواقع، وإنهم ضحايا لرغبتهم الطبيعية في إيجاد معنى في نمط الكون دون المهارات الحسابية لإخبارهم بأن الأنماط التي يعتقدون أنهم يرونها وهمية”.

 

إذًا ما هي النسبة الذهبية؟

يعتقد العلماء أنه مفهوم رياضي يتماشى تمامًا مع الطبيعة ويدركه البشر لا شعوريًا فهو الكمال الذي يحبه البشر، وبعبارة أبسط هو ثابت رياضي يظهر متكررًا في الأعمال الفنية وفي الطبيعة ويطلق عليه اسم المتوسط الذهبي أو النسبة الإلهية.

وبصورة أوضح عندما نقسم بعد معين لقسمين أحدهما أكبر من الآخر، ونقسم القسم الأكبر رياضيًا على القسم الأصغر يجب أن يكون الناتج مساويًا لمجموعهما مقسومًا على القسم الأكبر، والذي يساوي 1.618033987 وهذا الرقم يمثل عادًة بالحرف اليوناني “فاي“.

وهذا لا ينطبق على الأبعاد فقط بل على كل كائن حقيقي في الكون، وتم تفسير النسبة الذهبية بعدة طرق لتسهيل فهمها ومحاولة ممارستها عمليًا نذكر منها المستطيل الذهبي، واللولب الذهبي أو ما يعرف بتسلسل فيبوناتشي، والتي تمكننا من معرفة مدى توافق صور الكائنات بدقة مع النسبة الذهبية بتطبيقه عليهم.

ولنكن واقعيين فالعلماء لغاية الآن لا يعلموا تمامًا كل ما يدور حول النسبة الذهبية لكنهم يؤمنون بإمكانية إدراك البشر لا شعوريًا بها، فهي لها تأثير كبير ومباشر على أدمغة من ينظرون إليها في أي عنصر أو كائن حقيقي في هذا الكون.

 

ما هي حقيقتها وكيف ظهرت؟

يقينًا لا أحد يعلم أين حدث أول ظهور للنسبة الذهبية أو متى، لكن وبناءً على ما ورد تاريخيًا من الأمثلة التي تمثل هذه النسبة أو ربما تقترب منها والتي عثر عليها في أماكن متفرقة من أنحاء العالم وتعود لحضارات متنوعة، فربما يكون أقدم مثال عليها هو الهرم الأكبر في منطقة الجيزة في مصر، وبني هذا الهرم عام 2560 قبل الميلاد، وتمثل أبعاد هذا الهرم النسبة الذهبية للجمال لكن ذلك لا يعني أنه بني تبعًا لها فلا أحد يعلم يقينًا ذلك، فربما كان بناؤه على وجه النسبة الذهبية ما هو إلا نتاج صدفة، ومع هذا لم يوفر العلماء جهدًا في دراسة هيكل الهرم ما أوصلهم لنتيجة أن نسبة الارتفاع المائل للهرم إلى نصف القاعدة هي النسبة الذهبية حتمًا.

الهرم الأكبر خوفـو يخضع لقوانين النسبة الذهبية، حيث إن النسبة بين المسافة من قمة الهرم إلى منتصف أحد أضلاع وجه الهرم، وبين المسافة من نفس النقطة حتى مركز قاعدة الهرم مربعة تساوي النسبة الذهبية

 

ولا ننسى بالطبع مبنى البارثينون في أثينا، والذي يتناسب بشكل جيد مع المستطيل الذهبي إضافة لسحر المنحوتات الموجودة فيه والتي تعكس جميعها النسبة الذهبية كتمثال زيوس الشهير المبهج جماليًا.

 

هيكل البارثينون – أكروبوليس أثينـا يخضع لهذه النسبة حيث وجد اليونانيون القدماء ان هذه النسبة مريحة بصرياً ومن أهم معايير الجمال في الطبيعة.

 

وأما في عصر النهضة فنرى استخدام ليوناردو دافنشي للنسبة الذهبية في بناء أعظم روائعه الفنية كالموناليزا والعشاء الأخير والتي تزداد مكانتها بتقدم العصور، وعلى نهجه في استخدام النسبة الذهبية سار ساندرو بوتيتشيلي في ولادة فينوس، ومايكل أنجلو في خلق آدم، وجورج سورات في باثرز في أسنيير، وإدوارد بورن في الدرج الذهبي، وغيرهم الكثير من عظماء الفن.

اللوحة الرائعة “العشاء الأخير” أدخل دافنشي “فاي” في أبعاد الطاولة والجدران والرسم الخلفي للوحة، كما أنة شرح في كتابًا عن الخصائص الرياضية والجمالية العجيبة للرقم الذهبي ويسمى “De divina proportio” أي التناسب الإلهي.

 

“الموناليزا” ل “دافنشي” والتي ظهرت بروعتها المعروفة إلى الآن وهي موجودة في “متحف اللوفر” بباريس.

 

لوحة مايكل أنجلو الشهيرة “خلق آدم”

 

وعلى الرغم من عدم صرامة استخدام النسبة الذهبية في العصور الحديثة إلا أن العديد من الأعمال الفنية الهندسية الحديثة تمتاز بالتفوق البنائي وتظهر فيها ملامح النسبة الذهبية كأعمال كازيمير ماليفيتش، وبيت موندريان وعدد من الأعمال النحتية التي برزت في القرن العشرين كأعمال قسطنطين برانكوسي وباربرا هيبورث وهنري مور وغيرهم.

وفي عام 1955 أعاد سلفادور دالي الحياة للنسبة الذهبية في لوحته سر العشاء الأخير والتي كانت كتكريم لدافنشي.

وننتقل من خلق آدم والموناليزا إلى شعار بيبسي، وموقع تويتر وناشيونال جيوغرافيك، وأجسادنا، والطبيعة من أعاصير وزهور وأصداف وسراخس من حولنا، والتي تتبع جميعها لنسبة رياضية هي النسبة الذهبية، والتي أصبحت بمتناول الجميع، فنرى عدد لا حصر له من التصاميم والأعمال الفنية والكائنات الحقيقية التي تتبع لها بصرامة أحيانًا وبتسخيف ودون فهم أحيانًا أخرى.

 

تمثال نفرتيتي أحد أشهر الأعمال الأثرية المصرية القديمة، وهو تمثال نصفي مدهون من الحجر الجيري عمره أكثر من 3300 عام، نحته النحات المصري تحتمس عام 1345 ق.م تقريبًا، الملكة نفرتيتي زوجة الفرعون المصري إخناتون. جعل هذا التمثال من نفرتيتي أحد أشهر نساء العالم القديم، ورمز من رموز الجمال الأنثوىّ.

 

دوار الشمس ، النسبة الذهبية.

 

الأصداف والقواقع تمثل نسبة ذهبية.

 

النسبة الذهبية في الطبيعة.

 

 

وفي الوقت الحالي ربما العديد من الأشخاص حول العالم لا ترضي أذواقهم كمالية النسبة الذهبية الجمالية، لهذا السبب ربما اختلف العديد من العلماء حولها وتضاربت الآراء.

 

المراجع

https://goldenratioandphi.weebly.com/the-golden-ratio-in-history.html

https://www.hongkiat.com/blog/golden-ratio-in-moden-designs/

https://www.fastcompany.com/3044877/the-golden-ratio-designs-biggest-myth?utm_source=Hsoub%20I%2FO&utm_medium=Social&utm_campaign=Hsoub%20I%2FO%20Post-34857

https://www.canva.com/learn/what-is-the-golden-ratio/

https://news.artnet.com/art-world/golden-ratio-in-art-328435