في المعرض الإستعادي للفنان العراقي علي طالب عُرض ما يقارب 76 عملًا فنيًا ما بين لوحات وأعمال نحتية وخزفية في قاعات المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، حيث اشتملت الأعمال المعروضة على مقطتفات ومحطات من مسيرة الفنان الممتدة على مدار خمسين عامًا.
من أكثر الحقائق وضوحا بالنسبة لي من خلال التجوال بين الأعمال هو تأصل شعور الفنان في جميع مراحل إنتاج اللوحة أو النحت من الفكرة إلى التنفيذ، وحواره المستمر مع الخامة والملمس. إذ ان الوقوف أمام لوحة مثل لوحة “امرأة – 2006” تأسر عين المتلقي وتقوده برحلة تعج بالملامس ما بين حدتها وخفتها وسلالستها وتنوع أشكالها لتصب جميعها في خدمة الشكل والموضوع والشعور

لوحة “امرأة”
ولعل التلاعب باستخدام الملامس المتنوعة والخامات المختلفة يُطفي بُعداً رابعاً ما بعد البعد الثالث الذي يخلقة تدرج اللون والإضاءة, فلوحة “الممثل” بتدرجات الأخضر تتخللها إضاءة أفقية مخططة خفيفة الملمس كالشعاع الذي تمثله، بالإضافة للوجه الطيني الشهيرالذي يميز لوحات الفنان والذي يلعب دور بوابة لعالم عالي الجذب ينادي الأنظار من بعيد، لتغوص -بعد التمعن- بين سلاسة الضوء وتضاريس كيان الممثل.

لوحة “الممثل”
وتتكرر التجربة مع أعمال الفنان المعروضة على مدار مسيرته فكل عمل يدعوك لتأمل عالم خفى يتعدى جدران العرض، و كل عالم يحاكي تجربة حسية ما متكاملة بما فيها من تأمل وتعمق بالشعور وتفّهم لحاله خارج نطاق الكلمة، ثم يتركك أخيراً محملاً بالتساؤلات وعالقا بتفصيل لون أو ملمس.
الرأس لدى الفنان دائم الحضور ويتخذ احتمالات متعددة، سواء كان هو حدود اللوحة أو جزء مستتر أو صارخ الحضور من التكوين. وفي النحت يقلب تارة ويلون تارة ويغشى على عينيه تارة.
أما في الرسم غالبا ما يكون تصوير الرأس جانبي وقلّما يلتفت ليواجه الناظر, وكأن تلك الرؤوس على انشغال تام بما تخوضه اللوحة من أحداث غير آبهة لعالمنا المادي، في لوحة “معروف جدا-2019” تشعر وكأن الشخصية على قدر من السذاجة لتلتفت نحونا بملامحها المتهالكة, وكأن حالة التسامي تخص ما ينتمي لعالم الشعور ومن يتجرئ ليتفت خارج ذلك العالم يصبح بالٍ ويتجرد من معالمه.

لوحة “معروف جدا”
ومن خلال تتبع سطح العمل يمكن أن نستشف جزءاً من طبيعة الحوار الذي دار بين الفنان وأدواته، فالسطح شاهد على كل انفعال ومقاومة وكذلك على كل حالة سِلم وتصالح، ومن الوارد أن تجد حالة من الحرب و السلم في إطار عمل واحد؛ لأن لا وجود للزمن أو المكان في ذاك البعد ولا حصر لاحتمالات أحداثه.
علي طالب فنان عراقي وُلد عام 1944 في البصرة، ودرس الرسم في كل من القاهرة وعمّان كما أنه قام بتدريسه في الاردن والعراق، وعرض أعماله في مدن عربية وأجنبية عديدة، كما حصد جوائز عديدة كذلك.