قيل في كتب التراث العربي: “علم علمك من يجهل وتعلم ممن يعلم ما تجهل، فإنك إذا فعلت ذلك علمت ما جهلت وحفظت ما علمت”. التاريخ البشري مليء بكتابات عن عملية التعليم فهي الطريق الأكثر قدسية في حياة الإنسان، لذلك عملت المجتمعات على تخليد وتقديس كل من سلك الطريق خاصة المعلمين.
في روسيا وجد معلم وفنان حمل هم المعرفة وعمل على نقلها حتى لقبه الناقد الفني(Vladimir Stasov) بلقب (المعلم العالمي لفناني روسيا). ذكره المؤرخون ليس بسبب أعماله الفنية -على الرغم من جمالها- ولكن تأثيره كمعلم في تغيير مجرى الحركة الفنية كان السبب الأكبر، فعند البحث في تاريخ الفن والحركة الواقعية في روسيا ترى أن أغلب الفنانين الأكثر شهرة وتأثيراً كانوا من طلبة المعلم العظيم بافل تشيستياكوف كان لهم المعلم والمرشد والرفيق في مشوارهم الفني.
بافل بتروفيتش تشيستياكوف (Pavel Petrovich Chistyakov)-(1919-1832) الفنان الواقعي والأستاذ العظيم، انتقل من كونه ابن لأسرة من القنانة (القنانة شكل من أشكال العبودية في النظام الإقطاعي) إلى أن صار بروفيسور في الأكاديمية الروسية للفنون الجميلة في القرن التاسع عشر. بعد ولادة بافل حرر مالك الأرض العائلة من العبودية، كانت هذه الحرية المنفذ ليبدأ بافل العمل على ما يريد.
بعد التحرر وعلى الرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلا أنه عملت عائلة تشيستياكوف على أن يتلقى ابنها التعليم الجيد، خلال حياته وقبل التحاقه بالتعليم الجامعي اضطر بافل أن يعمل في عدة مهن وكان في كل مرة يرى هدفه أكثر وضوحا وهو الفن. في عام 1849 التحق بالأكاديمية الإمبراطورية للفنون في بطرسبورغ كطالب وكان يعمل خلال فترة دراسته في تدريس الرسم بشكل خاص لكي يعيل نفسه، تلقى في الكلية جوائز عديدة من ضمنها الميدالية الذهبية ومنحة دراسية عن لوحته التاريخية التي عنوانها (صوفيا فيكتوروفنا في حفل زفاف فاسيلي الظلام) هذا المال سمح له بالسفر إلى أوروبا. في فترة مبكرة أتقن بافل رسم اللوحات التاريخية والبورتريه ولكن قلبه كان متعلق في التدريس فبذل له كل ما يملك.
في تاريخ الفن يكثر الحديث حول شكل التعليم وأهميته في المجالات الإبداعية وفي نشوء حركة فنية قوية، عمل بافل خلال رحلته في التعليم على كسر الجمود الأكاديمي ورفضه. لكنه كان يشدد دائماً على أهمية التعليم الفكري والمنهجي في الفن لذلك أسس منهجية تعليمية تفاعلية صارمة بلا جمود، كتب في إحدى مراسلاته واصفاً شكل التعليم الذي يرغب فيه “هذا هو المكان الذي يقوم فيه المعلم بتدريس طلابه، يساعدهم بالخبرة العملية مع التمارين. حيث المعلم يطور الطلاب ويتطور هو نفسه ايضاً باستمرار. هذا النوع من التعليم: التعليم بين الطلاب وبين المعلمين بشكل متساو يجب أن يكون مرغوب به في أكاديميتنا”.
وبنفس الصوت نادى بتحسين شكل تعليم الفنون في مدارس التعليم الحكومي وأهمية توفر فرصة تعليم الفنون للأطفال من جميع الطبقات الاجتماعية مما سيجعل وجود فنانين بتجارب مختلفة وخلفيات ثقافية مختلفة أمر ممكناً، وهذا بدوره سيرفع مستوى الفن ويجعل الحركة الفنية أكثر قوة. بناءً على ذلك طالب بوضع تعليم الرسم في نفس مستوى المواد الأساسية، وتحدث حول ما يمكن أن يحدث تعلم الرسم عند الأطفال وكيف يمكن أن يطور الرسم القدرة على النظر بشكل صحيح والتفكير ويعطي الطفل المهارات الازمة ليكتسب المعرفة من الطبيعة، لكن ذلك سيكون ممكن ومفيد عندما يتم تدريسه بشكل عقلاني.
رأى طلبة بافل فيه الأستاذ أصيل الرأي، صادق القول، واسع الرؤية، أعاد لهم بهجة الرسم ومكنهم من إيجاد أصواتهم الخاصة. كتب الفنان العظيم Ilya Rapin عن الأستاذ في مراسلاته:”هناك شخص واحد لامع في الأكاديمية وهو بافل تشيستياكوف. إنه معلم حقيقي. الوحيد الحقيقي! بسببه فقط ما زلنا نحصل على فنانين عظماء مثل سافينسكي”.
المصدر: TEACHING METHODS AND PEDAGOGICAL IDEAS OF PAVEL PETROVICH CHISTYAKOV– A TALENTED RUSSIAN ARTIST AND EXCEPTIONAL ART EDUCATOR by Oksana pivniouk
ليس كل من يمتهن التعليم يستحقه
التعليم يجب ان لا يكون مهنة.. يجب ان يُستحق لانك تتعامل مع بذور يجب غرسها بعناية وسوف تحصد اثرها على المجتمع كله فيما بعد
مقال جميل يذكرني بمعلمة لي في الاعدادي.. و كحالنا جميعا لنا ذلك المعلم الذي لن ننساه ما حيينا