” أنا لستُ ما حصل لي , أنا ما اخترتُ أن أكون” – كارل يونج.

هذا ما ابتدئ به “أحمد حسن مشرف” كتابه (ثورة الفن) و الذي يلخص كيف يعمل الفنان و كيف يعمل غيره من الناس. فذكر اقتباسًا جميلًا يقول فيه : ” الوظيفة هي أن تفعل ما يُطلب منك “. الوظيفة هي: أن تظهر في المصنع , تتبع التعليمات , تحضر الاجتماعات , و تُدار من قبل الغير. دائمًا ما يوجد شخصٌ آخر يقوم بوظيفتك أسرع منك أو أقل منك تكلفة. قد تكون الوظيفة صعبة و قد تتطلب مهارةً محددة … لكنها وظيفة !.

“فنُّك” هو: أن تفعل ما لا يستطيع أحدٌ أن يخبرك كيف عليك القيام به. “فنُّك” هو: العمل على تحمل المسؤولية و ان تتحدى الوضع الراهن و أن تغير الناس. أسمي عملية صنع الفن “العمل” و من الممكن أن تعمل في ظل وجودك في الوظيفة أيضًا . في الحقيقة هذه هي الطريقة التي يمكنك أن تكون بها الجزء الحيوي … ( الوظيفة ليست العمل ). سيث جودين : من كتاب / لينشـبين : هل أنت شخص يمكن الاستغناء عنه ؟.

كل إنسانٍ في هذا العالم يملك حياتين … حياةٌ يعيشها و حياةٌ يفترضُ به أن يعيشها , و لهذا فإن هذا الكتاب موجهٌ للأشخاص الذين يريدون أن يعيشوا حياتهم الثانية. أولئك الذين يفكرون لأنفسهم … يعملون لأنفسهم , و ينجزون لأنفسهم , والأهم أن حياتهم في النهاية لهم و ليست لغيرهم كحياتهم الأولى التي يعيشون فيها الآن. إن هذا الكتاب خلاصة عامٍ كاملٍ جُمِعَ فيه أهم العناصر التي صنعت بدورها التغيير في حياة عددٍ كبيرٍ من الفنانين ( مخترعين , ملحنين , كُتَّاب ’ رجال أعمال , رسامين ,…إلخ ) , و التي تختلف كليًا عن حياة الموظفين العاديين. فأي فنانٍ منهم يعمل على فنه الذي اختاره , و يعمل الموظف غالبًا في المجال الذي توفر له مع الظروف . يزداد تعلق الفنان بعمله كل يوم , ليبحث الموظف في المقابل عن التقاعد أو مجالٍ جديدٍ في أقرب فرصة. و دون ذكر الفروقات بين حياة الفنان وحياة الموظف أو مؤدِ العمل , تزداد حياة الفنانين جمالًا رغم مصاعبها , و تزداد الأمور تعقيدًا عند كل موظفٍ يؤدي العمل. و الخبر السعيد هنا هو تأكدي من وجود حياةٍ أخرى يمكن للموظف أن يعيشها أفضل من استسلامه لتأدية العمل فقط , متناسيًا وجود عالمٍ آخر يمكن أن يعيش فيه.

 

 

ما هو الفن ؟
يُعرف قاموس أكسفورد “الفن” كما يلي : ( الفن هو: التعبير أو تطبيق المهارات البشرية الخلاقة و الخيالية , و عادةً في شكلٍ بصريٍ مثل الرسم أو النحت و إنتاج أعمال لتكون موضعًا للتقدير في المقام الأول لجمالها و لطاقتها العاطفية). و أُضيف بأنه: تأدية العمل بعاطفةٍ كبيرة دون البحث عن خريطةٍ أو قواعد لنلتزم بها لتأدية العمل.

(ثورة الفن) هي: أن تؤدي العمل الذي تريده فقط و كل يوم. حياتنا مليئةٌ بالبيروقراطية , مليئةٌ بالموظفين الذين لا يحبون أعمالهم , مليئةٌ بأشخاصٍ كرسوا حياتهم لخدمة حياة آخرين يكرهونهم و يكرهوهم , حتى إن لم يملكوا تلك الجرأة ليعترفوا بذلك. أصبحت الأغلبية تستيقظ صباحها الباكر لتعيش دور الآلة التي تنفذ ما يُملى عليها فقط , خوفًا من أوضاعٍ وردودِ أفعالٍ غريبةٍ ساهم هو بوضعها و تثبيتها في هذه الحياة مع إنسانٍ آخر. عند اقتناع الأغلبية أن الحياة كونها حياة يجب أن تكون بهذه الطريقة ( كآلاتٍ إنسانية ) و أن الإنسان قد خُلِق في كَبد , و لن ينعم بأقل الحظوظ في الحياة ؛ لأنها مدخرةٌ له في الآخرة …هنا فقط تكمن المشكلة , و كثيرًا ما أسمع : ” لهم الدنيا و لهم الآخرة ” !.
ننتظر الإجازات بفارغ الصبر , لنكبر قليلًا , ثم ننتظر التقاعد بفارغ الصبر !.
الأغلبية تعيش يوميًا حياةً لا تريدها إطلاقًا ؛ فالوظائف المملة و الأشخاص المزعجين و تلك الأوقات غير المناسبة للعمل بالنسبة لهم أصبحت من ضمن السنن الكونية التي يستوجب علينا جميعًا التعايش معها و إلا أصبحنا خارج القطيع.
لما علينا أن نعيش حياتنا كفنانين ؟ لأن الفنانين هم من يصنعون الفرق , و مؤدوا العمل هم من يصنعون التغيير نحو مجتمعاتٍ أفضل.

 

 

سلوك الفنانين
هناك فرقٌ حقيقي بين سلوكيات الفنانين و الناجحين في تأدية العمل عن غيرهم من الناس العاديين , و أضيف أن نجاح الفنانين في العالم كان نتيجة سلوكيات معينة اتخذوها كنهجٍ في حياتهم حتى نقلتهم لما هم عليه. هناك 8 عناصر مشتركةٍ عند الفنانين و لكن يسبقها ثلاثةُ قراراتٍ و هي التي استمروا عليها مدى الحياة و هي :
1. التخلص من الخوف.
2. قرار البداية.
3. الحياة من أجل الهدف ( قضيتهم في الحياة ).

هناك ثمانية قناعات يعيش بها كل فنان ؛ ليصنع الفرق , و هي تتعلق بالسلوك فقط دون أي معطياتٍ أخرى. للتأكيد على أن كل نجاح و فن في هذه الدنيا يرتبط بحالةٍ عقليةٍ محددة و بطقوسٍ متواصلةٍ دون توقف طيلة حياتهم ؛ ليصبح أي فنانٍ أو مؤدِ للعمل بعدها في قمة الهرم و أعلى ما يمكن الوصول إليه كمقدرةٍ إنسانية.
القناعات الثمانية للفنان :
1. لا وجود للإلهام.
2. الحب.
3. الروتين ( العمل المتواصل ).
4. الغزارة ( 10,000 ساعة عمل ).
5. تسعة من عشر محاولات تفشل.
6. الاستلام والتسليم في الفن.
7. المقاومة.
8. المشي و الرياضة.

و لأكون صادقًا مع نفسي قبل أن أنقل إليك ما يفعلونه في حياتهم بالتفصيل , أؤكد لك أنني في صراعٍ يوميٍ دائم , محاولًا برمجة حياتي العملية و الشخصية لأتعايش مع هذه العناصر , و لعل هذا الكتاب أول محاولةٍ مني للالتزام بما أقول ؛ فليس من السهل على أي شخصٍ أن يُلزم نفسه , و يزيد من حجج الآخرين عليه في قضيةٍ هو من يلزم نفسه بها. و أكاد أجزم مئةً في المئة – دون معرفة بالغيب – أن كل شخصٍ يطبق هذه العناصر سيعيش زخم الفن و طعم النجاح و الإحساس بالإنسانية المطلقة عبر تطبيق أفضل ما يمكن الوصول إليه من قدراتٍ إلهية وضعها الخالق في كلٍ منَّا.

(في المقال القادم سنتتطرق للعناصر الثمانية بعمقٍ أكثر حتى يتسنى للقراء الكرام رؤية الفنان من زاوية أخرى).

كتبته بتصرف : مها الشهري

مشرف، أحمد حسن(1435هـ):  ثورة الفن ، توثيق للنشر