يقيم جاليري رؤى32 في عمّان معرضا جماعيا يضم أربعة أعمال لأربعة فنانين عراقيين هم: حارث الحديثي وجاسم محمد و علي العبادي وعماد الظاهر، ويحمل المعرض العنوان “روحانيات”.
الموضوع الأساسي والذي تشترك به أغلب الأعمال هو الخط العربي وجماليات اللغة التي تلعب دورا مهما في حفظ ونشر الحضارة الإنسانية والثقافة. وفي ثنايا الحضارات والملاحم الإنسانية نشأت لغتنا العربية وخطنا العربي وتطور ليبلغ مبلغا من الجمال مُرتبطا بالفن التشكيلي أحيانا ومُنفردا بذاته أحيانا أُخرى، ليحمل معه حضارة تركت معالمها في كل مكان بالعالم وصولا إلى أطراف الصين وغرب أفريقيا.
من خلال أعماله .. قام الفنان “حارث الحديثي” بزخرفة الحروف التي تضمنتها الأعمال، والتي جمعت بين الخط الزخرفة وهو التخصص الذي درسه الحديثي في كلية الفنون في جامعة بغداد عام 1994م وتتلمذ فيها على يد أساتذة في الخط العربي وهما الدكتور سلمان إبراهيم و عباس البغدادي.
أما الفنان “جاسم محمد” فتظهر رغبته في التحرر من القالب الحروفي التقليدي بقوة، وذلك من خلال محاولته تقديم رؤية فنية جديدة بتقديم صورة للتعبير الشعري، وفتح الباب للمُتلقي للتصور الذهني والموسيقي لهذه الإيقاعات الشعرية من خلال جعلها بأماكن معينة بالعمل ظاهرة بصورة تجريدية وغير واضحة تماما.
استخدم الفنان تقنية الخط الغائر في خط الثُلث، ومن الجدير بالذكر هُنا هو أن خط الثُلث هو أصعب الخطوط العربية والذي كان العرب قديما لا يجيزون الخطاط ويعتبرونه خطاطاً إلا باتقانه هذا الخط.
الفنان جاسم محمد من مواليد العراق (1970م) مقيم في واشنطن وهو عضو جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين والمركز الثقافي العراقي وجمعية الخطاطين العراقيين.
أما بالحديث عن أعمال الفنان “علي العبادي” فإن البُعد الزخرفي هو سيد الموقف في ابتكاره بتصوير النصوص القرآنية ومعانيها، ليضيف بأسلوبه المُبتكر جمالية إضافية من حيث الشكل والتركيب، كما يتميز عمله بسلاسة في تشكيل الحروف العربية وذلك باعتماد خطوط معروفة ضمن موضوع الآيات القرآنية وأسماء الله الحسنى.
يهتم الفنان علي العبادي بالبعد الزخرفي في تصويره معاني النصوص القرآنية عبر الإطارات الحروفية التي يبتكرها، لتضيف إلى جمالية الخط بُعدا آخر مميز في الشكل والتركيب عبر استخدام أساليب رسم وتشكيلات مختلفه.
كما تتميز أعماله بسلاسة تشكيل الحرف العربي مع الاعتماد على الخطوط المعروفة لإنجاز لوحات تتضمن آيات من القرآن الكريم وأخرى تتضمن أسماء الله الحسنى.
وخِتاماً مع الأعمال النحتية البرونزية للفنان “عماد الظاهر”.. ما بين البرونز المصقول والبرونز المتأكسد والستيل تأخذ أعمال الظاهر منحناً تعبيرياً رمزياً، وتلتزم بتأثيرات واقع الإنسان المُعاصر، فترى بعضها تعكس غرابة المشهد الإنساني والتشظي في محاولة سحقه وإحالته إلى آلة بلا مشاعر أو أحاسيس، وتحمل بعض هذه المنحوتات مواضيع الوجوه البشرية وبعضها الآخر لمشاهد سوريالية أخرى.
كما وظف الفنان تقنيات عديدة وأضاف خامات متعددة تخدم فكرة إعادة التدوير، فقد استخدم البراغي وصنابير المياه ومقابض الأبواب وغيرها من المواد، ويعتبر الفنان -المقيم حاليا بأستراليا- بأن للمهجر أثر كبير على أعماله الفنية من ناحية الأسلوب والمواد المستخدمة.
في نهاية هذا التقرير عن المعرض “روحانيات” لا يسعني سوى التأكيد على ما عكسته الأعمال في داخلي من حالة إيجابية والقوة والأمل، وقد رافقتني هذه المشاعر منذ دخولي الباب ورافقتني مع مغادرة المعرض، فانسجام بهجة الألوان والطاقة المُنبعثة من الحروف مع القوة الكامنة في الخطوط العربية عزز إحساسي العميق بهذه المشاعر.