فنان مصري يركز في فنه على مفاهيم تتعلق بالميتافيزيقية والسيريالية، ويتبنى التعبير عنها في أعماله بإضفاء طابع محلي مصري لينتج أعمالا تعبر عن واقعه وتطرح قضاياه المجتمعية والتي يبحث فناننا حولها بعمق قبل تحويلها إلى لوحات.
حديثنا عن الفنان أحمد صابر الذي حل ضيفاً على نادي الفنون لشهر كانون الأول والذي يحمل درجة بكالوريس من قسم الجرافيك وماجستير فنون بعنوان بحث “الميتافيزيقا في فن الرسم المصري المعاصر” حاصل على عشرات الجوائز على مستوى مصر والوطن العربي، وقد شارك فيما يقارب 30 معرضا مشتركاً في عدة بلدان، كمصر والأردن وتونس وقطر.
في هذا المقال نُلخص مجموعة من الأسئلة والأجوبة التي طرحها أعضاء النادي لتفتح حواراً حول مسيرته كفنان وأعماله الفنية التي تقدم عناصر غاية في الوقعية من حيث الرسم وتعيد طرحها بطريقة سيريالة تخدم سياق العمل ورسالته عن اللامعقول وغير المنطقي.
كيف كانت البداية مع الفن؟
منذ الصغر كنت أرسم وأشارك في العديد من المسابقات التي يعقدها المجلس الأعلى للشباب والرياضة وكنت في عمر صغير جدا كـ 10 أو 11 عام كما كنت أمثل بلدي على مستوى المحافظة ومن ثم على مستوى مصر في العديد من البلدان العربية، لاحقا بدأت بدراسة تخصص فنون الجميلة في جامعة الأقصر وقد كان اختياري لهذه الجامعة مهم جدا بسبب موقعها في مدينة الأقصر الغنية بالتراث والحضارة والتاريخ، ومن حياتي الجامعية بدأ مشواري الفني.
-كيف أثرت دراستك في كلية الفنون على موهبتك الفطرية؟ وما أفضل ما أضافته لك الجامعة؟
أضفت الدراسة طابع جدي عملي، تعلمت الأساليب الأكاديمية وتصميم العمل وتكوينه، وبتعلمي هذا بدأت أتعلم كيفية تطوير ممارستي والعمل على أسلوبي الخاص، بالإضافة إلى جانب آخر مهم في تجربتي وهي بأن أتخطى تفكيري بالعمل كونه اتقان للرسم فقط، بل أن انتقل إلى التركيز على الجانب الفكري والبحث حول المواضيع التي تثير اهتمامي كالأساطير والسيريالية والتساؤل حول كيف يمكنني تحقيق ما بداخلي بخلق عمل فني يعبر عنها. لم أكن لأتمكن من تحقيق ذلك من دون الدراسة.
-ذكرت مسبقا أهمية موقع الكلية بالنسبة لك (الأقصر)، لماذا اعتبرت بأن هذا المكان مهما؟
في مصر يوجد كليات فنون في أكثر من مدينة، كالقاهرة والإسكندرية مثلا، لكن وجودي في مدينة الأقصر كان مهم جدا على عدة أصعدة، حيث أن طبيعة المدينة نفسها التي تحتوي الكثر من المعابد (كمعبد الأقصر وهابو والكرنك ووادي الملوك والملكات..) قد دفعني للاهتمام بالحضارات المصرية القديمة وأساطيرها ورموزها، وبالطبع أثر بشكل مباشر على مواضيعي وأعمالي كفنان.
-متى بدأت بتبني السيريالية بشكل جدي في أعمالك؟
بدأت في سنة ثانية في الجامعة، عندما قرأت مقولة شكسبير الشهيرة “الدنيا مسرح كبير، وإن كل الرجال والنساء ما هم إلا لاعبون على هذا المسرح” تأثرت جدا بهذه المقولة ورغبت بالتعبير عنها بالرسم حين اجتاحتني صوراً سيريالية، نفذت الفكرة ونجحت بها مما دفعني لإبداء جدية أكبر والبحث حول كيف يمكنني إنتاج أعمال سيريالية بطابع مصري وروح مصرية تعبر عني وعن هويتي.

الصور بواسطة: إبراهيم سليم
-هديل خضر: ما هي نصيحتك لطلبة الفنون لإيصال رسالتهم الفنية والانتشار بمجتمعاتهم؟
من وجهة نظري فإن الفن هو مرآة للمجتمع الذي نعيش فيه، فأنا أوافقك بأن من واجب الفنان بأن يصل برسالته لمجتمعه. أما حول طموحك لإيصاله، فمن وجهة نظري من الضروري أن يكون عملك حقيقي وأصيل، أي أن تقضي وقت في تطوير ما يجعل عملك مميزاً عن غيره والبحث بأساليب عديدة لتقديم عملك بأفضل صورة ممكنة، بعد ذلك يمكنك البدأ بالبحث عن مسابقات ومعارض يمكنك المشاركة بها لتساعدك على انتشارك كفنان وإيصال رسالتك وعملك لأكبر عدد من المتلقين.
-حنين ناصر: كيف يمكننا التميز بين المدارس الفنية في الأعمال؟ وبين تداخل المدارس الفنية في العمل الواحد ؟
لكل مدرسة من مدارس الفن قواعد وأساليب تقودها، ويجب دراسة كل مدرسة وفهم ما تقوم عليه من الجانبين البصري والمعرفي.
لنأخذ أمثلة مبسطة لتوضيح ذلك.. السيريالية هي أخذ جزء من الواقع وتحويله ضمن سياق العمل لمشهد غير حقيقي أو غير واقعي، وبالتجريدية فالفنان يتعمد الألوان والخطوط للتعبير بشكل مبسط ومجرد عن العناصر في العمل والابتعاد عن تمثيلها بشكل واقعي، وإذا انتقلنا للتكعيبية كمثال آخر فهي المدرسة التي ينبثق منها الفنان من الخطوط الحادة والأشكال المسطحة للتعبير. إذا فلكل مدرسة خصوصية إلا أنها أحيانا قدد تتداخل في بعضها البعض كالمدسة السريالية الحديثة التي ظهرت من اندماج السيريالية التقليدية وفن البوب.
-هديل خضر: ما هي التقنيات التي تستعملها في أعمالك؟ وما هي الهدف من المجموعات اللونية التي تكرر استخدامها في عملك؟
فيما يتعلق بالتقنيات فإن هناك مراحل عديدة قد مررت بها، ففي فترة سابقة كنت مهتم كثيرا بالأبيض والأسود وانتقلت لاحقا للأحبار وفيما بعد للأكريلك والخشب، ولكن في كل الحالات فأنا أبحث عن الخامة التي ستستاعدني على إنتاج العمل بأفضل صورة ممكنة. حاليا أعمل في الرسم بالاكريلك والخشب والأحبار وأحيانا الفحم، وكما ذكرت سابقا فإن العمل هو ما يفرض علي التقنية والمواد.
-عدنان النابلسي: كيف كانت نظرة مجتمعك لاتخاذك خطوة جدية حول امتهان الفن؟ في بعض المجتمعات العربية يكون الفن مرفوض كخيار مهني؟ هل واجهت مشاكل في هذا الخصوص؟
كوني ابن أسرة لا يوجد فيها أي فنان من قبل فقد واجهت بعض التحديات، فأنا ابن الصعيد الذي يُعتبر مجتمع مغلق إلى حد ما. لكن عندما بدأت في عمر صغير بالمشاركة والفوز بالمسابقات والجوائز بدأت نظرة الاستغراب تختلف إلا أنها لم تمنعهم من رفض دخولي كلية الفنون الجميلة لاحقا، لكنّي بإصراري على قراري لم أترك أمامهم خياراً سوى الموافقة على رغبتي هذه.
منذ دخولي الجامعة انفصلت حياتي بشكل ما عن عائلتي فقد كنت منغمساً بالتفكير حول كيف يمكنني تحقيق أهدافي الدراسية والمهنية، لينتهي بي المطاف بعد تخرجي إلى أن أتعين كمعيد في كليتي. باختصار.. لم يكن خياري لدراسة الفن صائباً في نظر مجتمعي لكن تذكر دوماً بأن تفكير المجتمع يتغير باستمرار حين تبدأ بتحقق نجاحاً في مجال شغفك.
-مواضيعك تعبر بشكل مباشر عن مشاكل مجتمعك، هل يأتي تعبيرك عن هذه المواضيع عفوياً -كونك ابن هذا المجتمع-؟
في الحقيقية لا، الموضوع يتطلب مني مجهود كبير لوضع يدي على المشكلة التي أرغب بالتعبير عنها، فيتعين علي الاحتكاك المباشر والمتكرر والحديث المطول مع الناس من هذا المجتمع، بالإضافة إلى عدد كبير جدا من السكيتشات والرسومات المبدئية.
-بمن تأثرت بفنانين من قبلك؟
عبدالهادي الجزار وحامد ندا من أوائل من رأيت عملهم وتأثرت بهم على المستوى المحلي، أما عالمياً فسلفادور دالي أخذ من وقتاً واهتماماً حول أعماله وما وراءها ومن هنا تعلمت فكرة الرمزية في العمل الفني.
-معاذ: هل تنصح بدراسة الفنون في مصر عن غيرها من الدول العربية؟
نعم، أرى بأن مصر مكان مناسب لدراسة الفن، فالدراسة ليست ذات تكلفة عالية جدا، والأهم من ذلك هو أن مصر فيها العديد من الفرص للتعلم والبحث خارج إطار الدراسة نظر لوجود عدد كبير جدا من الأماكن الأثرية والمتاحف والحركة الفنية الغنية جدا.
-مرام: كيف تمكنت من اعتماد أسلوب مخصص في الرسم؟ وكيف يمكنني تطوير أسلوب خاص؟
هذه مشكلة شائعة جدا لدى طلبة الفنون، وأرى بأنها واحد من أهم النقاط التي يجب على الفنان التركيز عليها، وهناك طرق عديدة لتحديد الأسلوب منها أن تقومي بالاطلاع الجيد على أساليب متعدد لتحديد ما يشدك أكثر من ناحية التقنية أو المدرسة أو غيرها.. وبعد أن تعي بما تفضلينه ويعجبك.. تبدأين بالتفكير بكيفية تطوير ذلك بطريقة خاصة بك .. وبطريقة مختلفة عن من نفذها من قبلك.
-هديل خضر: كفنان.. هل مررت بفترات فقدت فيها شغفك للعمل؟ وكيف تمكنت من العودة لمسارك الطبيعي؟
إن أكثر ما يحفزني وما يدفعني للعمل هي أهدافي، في كل مرة أتذكر فيها أهدافي أندفع للعمل، تذكري دوماً طموحك لتتمكني من الاستمرار والتطور. عندما يقل شغفك فإن هذا مؤشر إحباط، ما عليك فعله في هذا الوقت هو أن تقومي وتعاودي العمل حتى يعود هذا الشغف مرة أخرى.
-شهد: ما الهدف من تكرار عناصر معينة في أعمالك؟ كعنصر السمكة مثلا؟
العنصر المكرر في أعمالي هو رمز.. السمكة على سبيل المثال ترمز للخير، والتي هي مستمدة من الرومان الأقباط الذين كانوا يرسموا سمكة قبل الصليب، ففي عملي ارسم قلة خير وقلة الرزق برسم سمكة ميتة ومن هنا أتى هذا الرميز المتكرر في بعض الأعمال.
بعض الأعمال للفنان أحمد صابر والتي تمت مناقشة مواضيعها خلال اللقاء:-
الرمزية الأساسية في هذا العمل هي القطة والتي ترمز للوداعة وتستخدم أحيانا للحماية كما أنها كانت كذلك إله لبعض الشعوب في التاريخ، أما الملائكة الظاهرة فوقها تعزز رمزية الحماية والقدسية والتي تتجه حول الأسماك الميتة بهدف تعويض الرزق المفقود والتي -كما ذكرنا مسبقا- ترمز له الأسماك الميتة.
يتحدث الفنان في هذا العمل عن الحواس كسبب أساسي لإيقاع الإنسان في المشاكل والمعاصي التي تغوي الإنسان. ترمز التفاحة في العمل للغواية كما في قصة آدم وحواء، والستارة في الخلفية ترمز للحياة وتشبيهها في المسرح.
الإعلام كأسلوب تدميري ووسيلة لتسيير الجموع لما تريد النخبة تحقيقه. كل شخصية في العمل تحمل تلفازها على رأسها بدلا من دماغها وكأن الإعلام اليوم يمثل أدمغتنا الجديدة المصطنعة، بالخلفية نرى طائر البراق وهو طائر في إشارة إلى أننا بحاجة إلى معجزة لإنقاذ الموقف.
المركب كرمز للحياة بشكل عام والأسماك إلى الرزق القليل في الحياة والجمل للرمز للصبر كأساس لاجتياز هذه المرحلة في حياة الإنسان.
صور: إبراهيم سليم