فان جوخ مصر…

 

ورائد من الرعيل الثاني لحركة الفن التشكيلي في مصر

هكذا أطلق على الفنان المصري ” حسين محمد يوسف ” ,  شاب نشأ في مصر بين رجال الدين والعلماء , وكانت بيئته الزاخرة قد ساعدته على خلق عقل فكري ذي نظرة فنية عميقة وفلسفة متفردة في تنسيق الألوان .

فانطلق لأوروبا ليبهر النقاد والمتذوقين بموهبته ونبوغه من خلال بعثته بعد تخرجه من مدرسة الفنون .

تتمثل أعمال الفنان ” حسين محمد يوسف ” في أربعين عملًا ما بين التصوير الزيتي والألوان المائية , والرسم على الجص والحفر على المعادن , فضلًا عن أكثر من أربعين عملًا من السكتشات بالفحم وأقلام الرصاص والأقلام الملونة , ومعظم هذه الأعمال الإبداعية للفنان كانت خلال بعثته لإيطاليا ولندن , والقليل منها بعد عودته للقاهرة .

من أجمل الزوايا التي تناولها الفنان حسين محمد يوسف : تلك البيئة التي أثارت أحاسيس الفن لديه وفطرة الطبيعة التي عبّر عنها بامتزاج رائع للألوان , بالأسلوب التأثيري (impressionism) والذي ينم عن خبرة وذكاء الفنان في استخدام الفرشاة .

ففي إيطاليا : رسم الفنان حسين الريف الإيطالي والفلاح الأوروبي , بعض الوجوه الإيطالية ولكن تميزت بنظرات قوية لما أضافه عليها من ملامح شرقية.

فَنَري لوحته (الآنسة زويتا) في ظل إضاءة مشتتة بألوان هادئة…

لوحة “الآنسة زويتا”

ومن أقوى لوحاته في اتجاهه التأثيري لوحة (رأس الكهل الإيطالي) 1929 م ,  تلك اللوحة التي تظهر فيها قوة الضوء والبناء واللون ..

لوحة “رأس الكهل الإيطالي”

 

ولوحة العجوز الذي يتكىء برأسه علي يديه ممسكة عصاه 1929 م , تتضح فيها لمسات الفرشاة القوية المعبرة , وقوة العينين المسبلتين , وكأنه يسترجع شريط ذكريات التاريخ وأحداثه , ونراه قد ركز الضوء على الوجه واليدين ليجعلهما بؤرة العمل في خلفية داكنة , ونلاحظ دفء الألوان المستخدمة …

 

لوحة ( العودة من العمل ) تصور فلاحا إيطاليًا في طريق زراعي  , ونلاحظ قوة الخط في تحديد الوجه والقبعة ويختفي في الكتفين . من ركائز الصورة العصا التي يتكىء عليها في مشيه , وقبعته ومخلاه الذي يحمله على كتفه ..

بألوان الزيت…استخدم هنا اللمسات التحضيرية البنائية القوية , والدرجات الساخنة من الألوان في المساحات المضيئة والباردة ( الرمادي والأزرق ) في الظلال…

لوحة “العودة من العمل”

 

بالحفر على الزنك..                                   

اللوحة تعبّر بقوة عن كفاح الفلاح وعنائه في العمل من خلال الحركة الواهنة وملامح وجهه.

لوحة ( مصطفى نجيب ) وقد اختلف هنا الفنان في أسلوب رسمه المتميز بالألوان.. وعمد في هذه اللوحة إلى استخدام قوة ملامح الشخصية وصرامتها في التجسيم , فكان أقرب للنحت , وكأنه يستشعر مهنته. الضوء يخترق ظلمة اللوحة ويرتكز علي الأنف وجانب العين , مع لمسات دافئة سريعة قوية خاطفة ..

لوحة “مصطفى نجيب”

 

لوحة ( الطفولة ) 1936م , وفيها رسم من شخصيات في حياته الخاصة , أخاه وأخته. وتتميز اللوحة بالتكوين المحكم والمتزن بين الكتلة والفراغ , والغامق والفاتح , في وضعية متميزة لتجذب العين من ناحية يد الأخت المنفرجة على يسار اللوحة..ولتستقر عند الأخ الذي يستكين على ساعدها وكأنه يحتمي بها , مستعينا باللون الرمادي الدافىء في الخلفية..

لوحة “الطفولة”

 

(أعرابي من طرابلس) 1930 م , وفي هذه اللوحة يصورأعرابيًا سائرًا بزيِّه البدوي , ممسكًا مخلاة صغيرة . تتسم اللوحة بالحركة , وهدوء الألوان التي يسود عليها الرمادي , كما تتسم ببساطة تأكيد الشكل باللمسات الفاتحة والداكنة …

لوحة “أعرابي من طرابلس”

 

(أمام المدفأة ) 1932م رسمها لسيدة تقوم بالحياكة وهي تجلس أمام المدفأة , نجح الفنان حسين في إبراز المناخ الداخلي للبيت من خلال العناصر والضوء العلوي..بتكوين قوي وألوان صريحة..

لوحة “أمام المدفأة”

 

( بائع الزهور ) من أقوى أعمال الفنان حسين , تصميم محكم , فالبائع علي يسار اللوحة ونظره يتجه خارجها ولكن يقابلها اتجاه اليدين نحو يمين اللوحة ممسكًا صندوق الزهور, ونجد الفنان لم يترك الخلفية كمساحة لونية أو سماء , ولكنه أوجد حلولًا تشكيلية ذكية في استخدامه جزءً من المظلة التي تظلله , تصميم محكم وفريد وغير تقليدي حيث أكسب العمل حيوية وحركة , واكتمل بها قيمة العمل الفني من خلال اللمسات اللونية التأثيرية القوية في الموديل لكن هادئة في الخلفية , ونجد أن الوجه يحمل نظرة قوية ولمسات عنيفة وعلي اليدين..

لوحة “بائع الزهور”

 

ومن روائع لوحات الطبيعة الصامتة للفنان :

 

لوحة ( الحصاد ودراسة القمح في مصر ) من أبرز لوحاته عن مصر وهي بأسلوب (الفرسكو) وهو الرسم بألوان التمبرا على الجص..

 

لوحات تعبر عن استشعار الفنان بالمسؤولية تجاه بلده المحتلة واستخدام الفرشاة كمنبر يتحدث من خلاله عن معاناة شعبه…

 

من الجدير بالذكر عن المعارض التي أقامها الفنان في روما ولندن ومصر.

  • نشرت مجلة المصور المصرية العدد 24 أبريل 1931م علي صفحة الغلاف عن أعمال الفنان حين محمد يوسف تحت عنوان ( فنان مصري يرفع مصر عاليًا في إيطاليا )

 

  • كتب الناقد “نقولا كاني” بميلانو في مجلة زينيت 23 يونيو 1931م تحت عنوان…”حسين م
    حمد يوسف ..مصور مصري “وتكلم عن قوة تعبيره في الرسم وكأنه يتحدث بالكلمات ويلحن الألحان ويجتاح الأحاسيس وكل ذلك بخبطة فرشاته.

 

  • تحدثت جريدة ” الرسالة ” في روما عن أن الفنان حسين يعرض حصيلة تعلم مدي الحياة من خلال لمسات عنفوانية في الألوان وسعة أفق في الرسم والتصوير .

 

لقد أبدع الفنان ” حسين محمد يوسف ” في عشر سنوات إبداعًا خاطفًا للأنظار وفي فترة قصيرة تعد كنزًا لا يفرط فيه من الجانب الأوروبي ( روما ) أو حتي الجانب المصري. لذلك كتبت عنه صحف بلاد الغرب ..فان كوخ مصر..

وبعد رحلة الإبداع المتألقة ..كرس حسين محمد يوسف نفسه للسياسة والتدريس في وزارة التعليم العالي انطلاقا من احساسه بالمسؤولية والوطنية تجاه بلاده المحتلة . توفي الفنان عام 1975م.

 

 

تجميع : مريم الجزار

المراجع….

  • برنامج لمسة وفاء…حلقة تتحدث عن الفنان علي لسان أبنائه…

https://www.youtube.com/watch?v=ZRgCF_KNdho

  • كتاب :عصر من الفن…للناقد محمد الناصر