في اللحظة التي قام فيها جان بول سارتر بتلقيب جياكوميتي ب” الفنان الوجودي المثالي في منتصف الطريق بين الوجود والعدم” .  قدّم فيها صورة للفنان الذي يمارس  محاولات عدة باحثاً عن ذاته .

فيلم البورتريه الأخير المأخوذ عن قصة حقيقية عام 1964   والتي كانت أحداثه بين النحات والمصور والرسام السويسري الإيطالي ألبرتو جياكوميتي وصديقه الكاتب والناقد جيمس لورد عندما طلب منه أن يكون نموذجأً حقيقيا للوحته الفنية القادمة والتي ختمت مشواره الفني في حياة جياكوميتي.

من وجهة نظري أن الغاية الأساسية من الفن هي إيقاف اللحظة و تجسيدها ، ولأن النفس البشرية مهما كانت متواضعة فإنها لا شعورياً تحاول الإدراك والتعبير عن فكرة وجود هذا الكم الهائل من الجمال المختزل منذ البدء وتوثيقه في قوالب بسيطة أو معقدة، أما بالنسبة لمتلقّي هذا الفن فهو بمثابة وسيلة لتشتيت النفس بعيداً عن هذا العالم و للهرب من حقيقة دوران عقارب الوقت منذ الأزل .

ومن هنا يظهر المشهد الأول من الفيلم في معرض له جالساً بطريقه لامبالية تماما مثيراً بداخلك شعور أنه أحد المدعوين الذين يقطعون الوقت بنفث دخان سجائرهم ، وبالانتقال الى مشهد يليه حيث يقوم جياكوميتي بنقد منحوتة له ووصفها بأنها سيئة  وهنا يتجلى نقد جياكوميتي لذاته في عمله وقد نطرح السؤال التالي؛ إذا ما كان الفن هو محاورة الفنان ماهية الأشياء من حوله بصورة يكون فيها الفن انعكاساً للذات وابتكاراً من  اللاشئ  ، وربما يكون هو وسيلة للهرب من عبثية الحياة كما قال جياكوميتي ” ليس الغرض من الفن أن يعاد إنتاج الواقع، وإنما غرضه خلق واقع جديد بنفس القوة . ولكن ما هو نمط هذا الواقع الجديد؟ هل هو الفنان ذاته أم لا؟ ف جياكوميتي يقول في مشهد له  : إنني لن أتمكن من رسمك كما أتصورك أبداً .

وأيضا حيث أن العمل الفني يرتبط ارتباطا وثيقا في الوقت أو الترتيب الذي نشهد غيابه في ورشة الفنان  وفي رأيه أن الفنان إذا أدى العمل بفوضوية كان يبدأ من الجسم الخارجي إلى التفاصيل الداخلية يصبح العمل لامنتميا لذات الفنان ، من جهة أخرى نقد الفنان الشديد لذاته بالرغم من إيمانه الداخلي بقدرته فما الغاية من جلد الذات ؟

فما هو الغرض من الفن، أن يجعلنا نشعر بأننا نلمس الحقيقة أم أننا نشتت أنفسنا عنها ؟

وكل هذه التساؤلات تحيك نسيجاً خاصاً لتصوير دواخل الإنسان وترجمة قيوده وحدوده وحتى أعمق مخاوفه النفسية المتجلية في الأعمال الفنية ففي حوار بين جياكوميتي ولورد يظهر أنه يشكك في قدراته وفي حديثه انه بالتاكيد يزداد هذا الشك اكثر كل عام برغم من ازدياد نجاحه وجعل نفسه أرض خصبة أفضل للشك من النجاح، فهل لهذه السمة علاقة تربط بين منحوتاته الاقرب للاشباح الممثلة للاغتراب والغياب و الوحدة “.وفي مقال حول الحديث عن أعمال هذا الفنان ” منحوتات جياكوميتي.. عالم تظهر فيه النفس البشرية هشة ومفككة” حيث تبدع هذه الكاتبة في وصف فنه الوجودي

يبدو أن السمة الواضحة على هذا الفنان هو بعده كل البعد عن الماديات، وأن الفن بالنسبة له هو فقط تعبير عن الذات وربما يقوم بنقدها بشدة ساعياً للتنقيب والكشف عن مكنوناتها وشعورها باللامعنى للحياة . ماذا لو كان ظل الإنسان مملوءا بالتفاصيل؟ هل سيكون انعكاساً ،وماذا لو أن هذا الظل شديد الشفافية ؟