ماذا يمكن لطفلة فوضوية لا تلتزم بالقوانين ولا تحب الرياضيات أن تصبح حين تكبر؟ ستبحث في المجالات الإبداعية وتخوض إحداها، لتصبح اليوم واحدة من أهم رسّامي كتب الأطفال على المستوى العربي والعالمي! هذه هي مايا فيداوي ضيفة إطار فني في هذه المقابلة.

البدايات في الفن
بدأت مايا التعرّف على الفن في بيت جدّتها الذي نشأت فيه، إذ كانت جدّتها الحيويّة بطبعها تخترع قصصًا عن بائع الفول السوداني الذي يمر من منزلهم كل يوم وتشاركها حفيدتها ذلك، كما كان لديها مجموعة من المقتنيات كالكتب، وعلبة الألوان الصغيرة، والبيانو الذي تعزف عليه شكّلت مخيّلة مايا الفنيّة وانعكست على أعمالها ولوحاتها (والتي بالمناسبة تحتفظ بها الجدّة مذ كان عمر مايا سنتين).

 

 

في المدرسة هربت مايا من صخب الحرب للرسم مما لفتت انتباه معلميها لتقدّم مستوى خطّها مقارنة بأقرانها الذين كانوا مادة للوحاتها ومشاكستها. بعدها لم يكن اختيار تخصص الرسم والنحت محط تردد أو تفكير عند دخولها الجامعة التي كانت تقسم وقتها فيها بين العمل كرساّمة جداريات في المنازل والفنادق والدراسة لتستفيد من هذه الخبرات في مسيرتها الفنيّة لاحقًا.
كيف إذًا وصلتي لكتب الأطفال؟ تجيب مايا: بالصدفة! رزنامة قمت برسمها بعد التخرج خلال عملي في شركة إعلانات لصالون تجميل لفت انتباه إحدى الزبائن التي تملك دار نشر، فكانت البداية كتاب ساخر عن شخصيات لبنانية في الـ 2004

. بدأتُ بعدها التركيز على كتب الأطفال وجعل كل كتاب أرسمه تجربة جديدة كاختيار تراكيب لونية جديدة أو تكوينات لم أستخدمها سابقًا.

فن مايا في فترة أمومتها
كما الجميع يشكّل خليط الأمومة والفن تحديًا للفنانة، تتنافس الأولويات وقد يتماهى أحد الدورين في الآخر مما يخلق أسئلة وتحديات حتى في تعريف الشخص لذاته، و كيف تقيّم المرأة نجاحاتها في هذه المرحلة، كعادة مايا كان الخروج من هذه الدوامة هو الرسم، هذه المرة عبر تحدي نفسها وتوظيف طاقاتها في كتاب “قطٌ شقي جدًا” الذي فاز بجائزة اتصالات لكتب الأطفال في العام 2014.

عناصر غير مثالية وجميلة في رسوماتها
تنكة سمنة، أعمدة كهرباء متشابكة، كلب يركض هنا وهناك، تفاصيل يومية موجودة في خبايا الكتب التي ترسمها، مما يضيف واقعية لها، تضيف مايا: أبتعد عن الصور المثالية الكاملة فالحياة ليست كذلك، هذه التفاصيل تربط الطفل بمجتمعه ليرى بيئته حوله في كتاب يشبهه ويستطيع أن يرى نفسه فيه. كتاب عربي لطفل عربي. طالما كانت بيروت مصدر وحي لي، ففوضى المدينة التي تعج بالحياة والأصوات وحتى لافتات الطريق موجودة في كتبي.

 

بيروت في أعمال الفنانة

 

 

هل لدى مايا كتاب مفضل رسمته؟
نعم! البطيخة، وقط شقي جدًا، وماما شمسة من أقرب الكتب لقلبي، فلكل منها قصة، “قط شقي جدًا” كان مَخرجي من الاكتئاب وأول جائزة لي، كتاب “ماما شمسة” كان تجربة جديدة من حيث الموضوع فهو يتحدث عن طهران في الثمانينات وبما أنني لم أزر المكان، بدأت البحث في الكتب، الصور، الموسيقى والأفلام لأنقل الصورة كأنني أمشي في شوارعها. بعد ثلاثة أشهر بدأت برسم الكتاب الذي يروي قصة طفلة تزور بازار طهران مع جدتها، وما يصادفها في الطريق.

 

ماما شمسة

 

البطيخة

 

انتقائية في الكتب التي ترسمها
تهتم مايا باختيار الكتب التي تطرحها بعناية فائقة، فالطفلة التي كبرت تكره القيود لا تحب تلقين الأطفال الحِكَم ولا إلقاء الدروس “لا ينقص أطفالنا المزيد من الأوامر والمواعظ”، وتبتعد عن الكتب التي تبعث على الحزن كتبها فرحة وشقية أيضا مثلها، لتبقى الطفلة الصغيرة حية بداخلها تقفز بين الصفحات ما يبعث على الفرح والسعادة. بعد الخبرة في التعامل مع كتّاب الأطفال ودور النشر في العالم العربي، تصنفهم مايا لنوعين: دور تهتم بالكمية ودور نشر أخرى تهتم بالجودة. الأولى لا تهتم بالمحتوى وقد تكون كتب مترجمة، أما الدور التي تهتم بالنوعية فتلقى بعض الصعوبة في البيع لارتفاع اسعارها، مما يجعل هذه الكتب حصرية ضمن فئة محددة، وعلى الرغم من أن المسابقات والجوائز تلعب دورًا في تحفيز دور النشر وتعزيز المنافسة إلا أن العاملين في مجال النشر للأطفال يواجهون صعوبات كبيرة، فالرسّام لا يلقى العائد المادي المناسب والكتَاب يعانون من الظلم مقارنة بالرسامين مما يجعل الكتابة للأطفال مجالًا صعبًا من حيث الأصالة.

 

 

كيف ترى مايا واقع الفنان اللبناني في خضم هذه الأزمات المتتالية والأوضاع الصعبة؟

تأسف مايا لتراجع المشهد الثقافي في لبنان بسبب الأزمات الاقتصادية المتتالية الأخيرة (2020 وما بعدها)، رغم تصدّره سابقًا وصموده أمام أزمات أعتى من الأزمات الحالية (عدة حروب)، هذا التراجع تمثّل في: إغلاق مجموعة من دور النشر -رغم أن بيروت من أقدم العواصم العربية في الطباعة وصناعة النشر-، وإغلاق دور السينما، والركود في شارع الحمرا الذي لطالما كان صاخبًا وحيويًا بالمعارض الفنيّة، والأنشطة الثقافيّة، فتواجه مايا أسفها هذا بتصوير ونشر ما تراه جميلًا في بيروت، لتذكر الناس بأن هذه المدينة التي لا تفقد حب الحياة قادرة على النهوض مرة أخرى ورغم الصعوبات.

في الختام، طلبنا من مايا التي تكره النصائح أن توجه نصيحة للرسّامين والفنانين الشباب، وقد كانت نصيحتها: “أن تعرف ماهي موهبتك وأن تدرك ما تريده من هذه الحياة فأنت محظوظ، لا تمشِ مع التيار بل كن متمردًا ولا تسع لإرضاء الإخرين”.

 

تحرير: ضحى أبو يحيى