التعبيرية تعني الإفصاح بلغة الأشكال ، والألوان والأحجام ، والأضواء ، والظلال ، عن قيمة فنية يحس بها الفنان ويريد أن ينقل من خلالها مشاعره إلى الآخرين .  والتعبيرية هي انتقال للشحنة الداخلية عند الفنان إلى الخارج ، كي يتأثر بها غيره . وقد تعتبر كل الأعمال الفنية معبرة ، إذا نظرنا إليها من زاوية تكامل تلك الأعمال ، لكن الذي يجعلنا ننسبها إلى المذهب التعبيري ، هو بعض الخصائص المميزة والمؤكدة ، والتي تتوافر بنسب عالية في تلك الأعمال ، أكثر من توافرها في أعمال أخرى . 

ولو كانت التأثيرية انطباعاً ، لأثر الضوء ووهجه على الأعين لكانت التعبيرية بالنسبة لها تفجر الانفعال وبروزه في رموز أو قوالب يستطاع إدراكه من خلالها . وإذا كان فان جوخ ينتسب إلى التأثيرية ، إلا أنه في نفس الوقت كان يمهد بفرشته الضاربة وإيقاعاتها المتواصلة ، الطريق إلى التعبيرية ، وقد لاح ذلك في تصويره لوجهه عدة مرات ، وتصويره لساعي البريد ، والرجل ساعة الاستيقاظ ، وحتى زوجي الأحذية ، كلها صور تنم عن قيمة تعبيرية واضحة . فهو بذلك يعتبر الرائد الأول في المذهب التعبيري . 

التفاصيل الفنية للتعبيرية :

ولما كان المذهب التعبيري يعتبر ردّ فعل للحركة التأثيرية ، وكذا للاتجاهات الموضوعية في إنتاج كل من سيزان وسيرا ، فإن الحركة التعبيرية لفان جوخ قد سارت بحذاء الحركة الرمزية لجوجان ، حيث كان حضورهما إلى حيز الوجود منذ عام ۱۸۸۰ وظلا إلى عام 1900 . 

وكانت شخصية الرواد فيها تتمثل في كل من فان جوخ ثم “تولوز” و “روول” و “أنسور” و”مونخ” و “هودلر”، حيث أن ذاتيتهم الفنية إنما تعبر نفسها بحسب ما توحي إليهم تصوراتهم من موضوعات درامية ، ولم يكن اتجاههم التعبيري في قوة التلوين وطاقته الانفعالية فحسب بل أيضا في روعة التكوين لأشكالهم مع حدة أساليبهم التخطيطية . 

الإثنينية في المذهب التعبيري Dualism

التعبيرية هي الفن الذي يقوم على الحد من واقعية الأشكال بتحريفها عن أوضاعها الطبيعية . . كما يقوم على الألوان التكاملية مما يساعد على تألق الفكرة في العمل الفني . . ثم إنه بعد ذلك الأسلوب الذي يستند إلى الإثنينية في التعبير التي استمدها من روح الكلاسيكية والرومانسية ، وإن اتخذ اتجاها مضادًا لهما هي الأداء .

 ولا شك في أن المذهب التعبيري يخرج في أسلوب الأداء عن نطاق الأوضاع الكلاسيكية ، سواء من حيث الرسم أو التلوين شأنه في ذلك شأن بقية المذاهب المعاصرة ، إلا أننا مع ذلك نرى أنه قد أخذ عن كل من كلاسيكية والرومانسية ثنائية التعبير ، تلك الثنائية التي تقوم على عاملين هامين لكل عامل منهما أنصاره ، حيث يحتدم الصراع والتنافس بينهما بسبب اختلاف وجهتي النظر لكل منهما . 

فالعامل الأول فيزيقي : ويعنى بدراسة الأجسام وما تتطلبه الأوضاع التعبيرية فيها من حرية التعبير ، وما تقوم عليه من مبالغات ، في انحرافات خطوط أو في أجزاء الجسم بالنسبة لبعضها البعض . 

وأما العامل الثاني : فهو عامل نفسى يقتضي التعبير عن القوى السيكولوجية والدوافع الحيوية التي تأخذ طابعها الانفعالي في الأداء سواء بالتعبير بالخطوط التي تعطي التأثيرات المحددة للمعالم السيكولوجية والانفعالية التي تطفو على أسارير الوجوه وحركات الجسد وكذا باستخدام الألوان التي تساعد على إبراز الطابع الانفعالي للصورة ، لما للألوان من الصفات والخصائص السيكولوجية وصداها في النفس الإنسانية . 

كان للمذهب التعبيري الفضل في تمييز الفرد والسلالة ، و أنه بالرغم من أن كل فنان إنما يعمل في نطاق هذا المذهب تحت تأثير ظرف خاص بحيث أصبح من الصعب تغطية كل هذه الظروف بقاعدة واحدة ، إلا أنه مع ذلك يمكن الإشارة باختصار إلى الصورة المتتابعة التي تمر تحت اسم هذه الحركة الفنية من أولها إلى آخرها ، وتحديد خصائصها من امتداد هذا الاتجاه .

فنانوا التعبيرية 

أوسكار كوكوشكا ( ۱۸۸۹ – ۱۹۸۰ )  Oskar Kokoschka 

نمساوى المولد ، ويحافظ على الناحية البصرية في تعبيره ، ففيصورته المسماة “كولوسيم” وصورها عام ۱۹۲٤ ، تظهر لمسات الفرشة المتدفقة في تصوير آثار الجدران ، والسماء والأشخاص ، والأرضية الأمامية ، والشجر . ولو أن الصورة عديدة التفاصيل ، إلا أنها تفاصيل مجملة ، يغمرها التعبير وتدفق الألوان وبطش الفرشة ، وانسياب التقنية بما يتلاءم وطبيعة الأشكال ، أما الألوان فهي مستمدة من الطبيعة لكن الشكل والأرضية متداخلان ، والبرتقاليات التي تمثل المباني والأخضرات والأزرقات التي تمثل الجو المحيط ، هي الدعامات اللونية للتعبير  ..

بينما في صورته “هروارث واردن” التي أنتجها عام ۱۹۱۰ ، القتامة أكثر ، والجانب التعبيري واضح في علاجه الوجه ، وأوضاع الذراع ، وحركة الجسم ، والألوان تطغى عليها الرماديات المحمرة ، والفواتح هي في مراكز الضوء . 

.

لوحة “portrait of Lotte Franzos”

اميدو موديلياني ( ۱۹۲۰ – ۱۸۸٤ )

Amedo Madigliani 

عندما لم تستقر به الحياة في إيطاليا مسقط رأسه ، ولم تتكشف رحل إلى فرنسا ليعيش في باريس فترة من أهم فترات حياته الابداعية . وبرغم ما كان يحيط به من حركات : وحشية : وسيريالية ، وتكعيبية ،ومستقبلية ، إلا أنه اشتق لنفسه طريقاً مميزاً يحمل ملامح بصرية ، لكنها ملامح البناء التشكيلي التعبيري وليست الجانب الفوتوغرافي أو الأكاديمي . كانت غالبية موضوعاته نساء عاريات في أوضاع مثيرة ، لكنه يعرض أجسامهن بكتل ، وإيقاعات وبالتة لونية محسوبة . وهو يصنف اللون بطريقة بنائية تعبيرية ، تفصل الشكل من الخلفية والأمامي من الخلفي . 

.

لوحة “woman with the hat”

موريس أوتريللو ( ۱۸۸۳ – ١٩٥٥ ) 

Maurice Utrillo 

فنان فرنسي ، مصور وحفار ، ولد في باريس في ۲۰ نوفمبر عام ١٩٥٥ . والدته “سوزان فالادون” كانت مصورة ، كما كانت الموديل التي اعتمد عليها كل من : ديجا ، ورنوار ، وتولوز لوترك . ولم يعرف أوتريللو من هو والده ، وأخذ اسمه من صديق للأسرة يدعى ميجيل أوتريللو مولنز وهو معماري وناقد فني ، كان يحس بالحزن نتيجة فشله في المدرسة ، وبعدم التحاقه بوظيفة دائمة . كان من مدمني الخمر في سن الثامنة عشر ويتردد سيرا على المصحات . بدأ يصور كمريض نفسي ، إلا أنه في عام ١٩٠٣ بدأ يصور بصفة دائمة . عرض أعماله لأول مرة عام ۱۹۰۹ .

 ويمكن تقسيم إنجازه إلى ثلاث مراحل : 

الأولى : اهتماماته بالنزعة التأثيرية تحت قيادة بيسارو ، وسيسلي 

الثانية : مرحلته البيضاء من  ۱۹۰۸ – ١٩١٤ ، وتعد أهم مراحله 

الثالثة : بعد عام ۱۹۱4 استخدم الألوان الزاهية ، وكان أقل تحكما بفرشته ، وضمن أعماله أشخاصا كثيرة .


لوحة “Norvins street”

المراجع :

1- البسيوني،محمود: الفن في القرن العشرين،مركز الشارقة للإبداع الفكري.

 2- محمد،حسن: مذاهب الفن المعاصر، مركز الشارقة للإبداع الفكري.

 3-الخوري،مهاة: (1988): الفن في القرن العشرين،دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر