خلال الأيام القليلة الماضية لم يخفى على أي متابع لمواقع التواصل الاجتماعي موضوع العمل النحتي “مصر تنهض” الذي أثار حفيظة المجتمع الفني المصري، وإن لم تكن من متابعي الحركة الفنية في مصر دعنا نقدم لك تلخيصا بسيطا عمّا حدث.

“مصر تنهض” هو عمل قيد الإنشاء للدكتور أحمد عبدالكريم عبدالنبي وهو مدرس مُنتدب في كلية الفنون التطبيقية في جامعة حلوان في القاهرة، قام الدكتور أحمد بمشاركة صور لعمله على صفحته الشخصية ليقوم  بعدها المئات بمشاركة العمل وانتقاده وإصدار أحكام عديدة عليه، لا بل وأخذ البعض هذا الجدل إلى مستوى آخر حيث تم الاستهزاء به والتجريح الشخصي والتنمر على الفنان شخصيا، بينما قامت مجموعة أخرى بالتصدي لذلك من خلال التأكيد على حق النقد من دون ضرورة اللجوء للتجريح، كما قام مجموعة من طلبته بدورهم بتأكيد دعمهم له كرد لجميله كونه مُعلم داعم ومؤثر في حياتهم الدراسية لسنين طويلة.

 

صور للتمثال من صفحة الفنان على (Facebook)

 

نظرا للجدل العشوائي الكبير الذي حصل، قام فريق “إطار فني” بمحاولة لجعل الأمور أكثر وضوحا وتنظيما، والاستماع لآراء متعددة لأهل الاختصاص من الأكاديميين والفنانين المصريين حول هذا الأمر، والأهم من ذلك محاولة فهم السبب الذي جعل هذا العمل يثير كل هذه الآراء والتساؤلات حوله.

لكن قبل استعراض الآراء، نود مشاركة القُراء منشور الدكتور أحمد عبدالكريم وتصريحه حو الجدل المُثار، والذي أكد من خلاله بأن العمل هو عمل مبدأي ولم يتم تكليفه به من أي جهة رسمية.

 

توضيح الدكتور أحمد عبدالكريم لموقفه من الجدل عبر صفحته على Facebook

 

في حديثنا مع الفنان أحمد مجدي -المُتخصص في النحت- حول رأيه في العمل وأسباب إثارته لهذا الجدل، يقول -وقد أكد على احترامه لشخص الفنان صاحب العمل- : ” التمثال ضعيف جدا من حيث التصميم وصياغة الجسم الإنساني، بل ويفتقر لمعطيات التصميم الناجح في النحت على مستوى علاقة الكتلة بالفراغ المحيط متصلا ومنفصلا، كما أن المعالجات النحتية على السطوح وضعف العلاقات  بين الخطوط أدت إلى تشويش بصري كبير”.

وفيما يتعلق برد فعل المُتلقين، يُخبرنا: “عندما يرفع الفنان يده عن عمله الفني ويعرضه للجمهور يُصبح قابل للنقاش والنقد على كل المستويات ولكن في أوطاننا العربية توجد نكسه كبيرة في ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر وفي تذوق الفنون والتواصل معها.”

كما تتفق الفنانة نيفين فرغلي-أستاذ دكتور ورئيس قسم الزخرفة بكلية الفنون التطبيقية/جامعة حلوان – مع ما سبق ذكره فيما يتعلق بالنقد، حيث تقول: “النقد له أسس ومعايير ومتخصصين يقدموا رأي علمي، وليس الهجوم واحدا من هذه المعايير بالتأكيد، بل وليست من شيّم الفنان أن يتجاوز في حق زميل له حتى وإن أخطأ، ولكن في المقابل من يُقدم تجربة فنية حقيقية ينتظر آراء النقاد والجمهور كرد فعل طبيعي وتقييم للعمل.”

أما من وجهة نظرها حول الانتقادات المتعلقة بكون الفنان صاحب العمل غير مُتخصص بالنحت، تقول: “من وجهة نظري أن التجريب ليس حكرا على أحد وأن أي فنان من حقه تجريب خامات جديدة ومجالات فنية مختلفة، لكن الخطأ كان بتسرع الفنان أحمد عبدالكريم بنشر صور لتمثاله وعدم التوضيح بأنها مارسة تجريبية خاصة به للخامة الصلبة، إضافة إلى عدم التوضيح المُسبق بأن التمثال ليس تمثال ميداني مُقترن باسم مصر التي ارتبطت منذ تاريخها القديم بالعديد من التماثيل الهامة، فتجاهل الإشارة إلى ذلك ليست بالخطوة السهلة،  بالذات وأن المُتلقي المصري أصبحأ أكثر واعيا ومُتذوقا جيدا للأعمال النحتية، لذلك كان الرفض بهذه الطريقة الحادة والتي لمسناها بوضوح على مواقع التواصل الاجتماعي.”

 

يتفق الدكتور إسلام عبادة مع الدكتورة فرغلي حول الجزئية المتعلقة بالاسم، فيقول -وهو المُدرس في كلية الفنون في الجامعة الأردنية- : ” أعتقد بأن إدراج الفنان اسم مصر في تسمية العمل هو ما آثار حفيظة المجتمع الفني المصري من المتخصصين وغيرهم لأن مصر تمتلك حضارة نحتية عظيمة، وكسبب آخر من أسباب إثارة الحفيظة على هذا العمل هو ارتباط مكان إنتاجه بأكبر مصانع الأحجار في الدولة المصرية، مما أعطى انطباع للمُختصين بالنحت من الفنانين بأن هنالك فُرص تتاح لمن هم من غير الاختصاص في المجال وتجاهل أصحاب الكفاءة وجودة أعمالهم لكن هذا نفاه الفنان نفسه فيما بعد، وهنا يجب أن تزول هذه الحفيظة..رجوعا لاسم العمل غير الموفق والذي دفع الكثيرين إلى مقارنته بتمثال “نهضة مصر” للفنان العظيم محمود مختار.”

 

تمثال “نهضة مصر” للفنان محمود مختار (1918-1919م)

 

 

وفي ذات السياق، نتساءل هُنا حول وجود لجان تقييم مُتخصصة للأعمال الفنية بالذات التي تحمل اسم مصر منها، يؤكد لنا الدكتور إسلام وجود لجان ونقابات عديدة  في المؤسسة الثقافية المصرية، ولكن بالتأكيد لا وجود للجنة مُتخصصة للأعمال التي تحمل اسم مصر، حيث أن التسمية ترجع للفنان نفسه ولن تتمكن اللجان بالبحث والتقييم لكل فنان أنتج عمل وأطلق عليه اسم مرتبط بمصر، ويضيف على ذلك: ” من وجهة نظري -التي قد تُخطأ أو تُصيب – يجب العمل على لجان مُتخصصة للنظر بالأعمال الفنية الجماهيرية وهنا أقصد تحديدا عن التماثيل الميدانية أو النُصب التذكارية التي تُكلف بها الدولة الفنانين مثل ما يحدث في معظم دول العالم، حتى تكوّن شكل فني عام لائق باسم الدولة وتُرضي المُتلقي لتجنُب حدوث ما حدث. في النهاية فإن النحت الجماهيري يحتاج إلى أهل الاختصاص لدرايتهم بمشكلات المكان والخامات والأحجام وما يرتبط بها من كل النواحي الفنية والتقنية، أما فن النحت الخاص والتجارب الفنية الخاصة فهي ليست حكرا على أحد، أي إنسان له الحق في إنتاج ما يراه يخدم رؤيته الفنية أيا كان الوسيط الفني.”

ويعيد الدكتور إسلام التأكيد على أحقية كُل فنان في  إنتاج ما يراه هو مناسبا من خلال إجابته على سؤالنا حو رأيه في ردود الفعل الحادة لرواد مواقع التواصل الاجتماعي، يقول: ” لا يملك أي شخص الحق أن ينزع صفة الفن عن أي فنان، فكل إنسان حُر في تقديم فنه أيا كان مستواه، وحين تقديمه للعامة على هذا الفنان أن يتقبل النقد السلبي أو الثناء الإيجابي، كما يجب أن نتذكر دوما بأن المنتج الفني نسبي يختلف تذوقه من شخص إلى آخر، وإذا كان الحديث هُنا عن ذات العمل الذي أثار الجدل -حول إذا ما كان مناسبا لتمثيل مصر أم لا- فإن الإجابة بسيطة بأن الفنان نفسه (د. أحمد عبدالكريم) لم يقل بأنه متخصص بالنحت.”