ولد الفن الإسلامي في تلك البقعة من الأرض التي شهدت الحضارات العظيمة قبل الإسلام، قد استمد روحه من الدين الإسلامي وجسمه من تراث هذه الحضارات، فانتقى من هذا التراث ما يلائمه لإبراز روحه ثم أخذ يتمثل هذه العناصر التي اختارها، وكلما انتظمت الأعوام قرونا تزايد الفن وتوسع مع انتشاره واختلاطه مع الفنون المجاورة مما لا شك أنه تأثر وأثر بحضارتي فارس وروما على وجه الخصوص.

في بداية الدولة الإسلامية ” العصر الذهبي” وعندما توسع الإسلام شرقا الى بلاد السند والهند وغربا -وصولاً الى جنوب فرنسا- بدأ التنوع واضحا وازداد نضجه، وفي كل رقعة على هذه الدولة العظيمة وعلى امتداد الحضارات على مرّ الزمان كان للفن الإسلامي له صولات وجولات في كل مناحي الحياة المختلفة بشتى مجالاتها .

إن أبرز ما يميّز الفن الإسلامي وأشكاله هي الزخارف النباتية والهندسية (الأرابيسك) حيث أن شخصية الفن الإسلامي تبلورت في ميدان الطبيعة وركزت على الزخارف والرسومات النباتية واهتمت باجزاء معينة من النباتات والزهور، كالوريقات والغصون والفروع مثلا، ورسمها بأشكال منحنية ومتداخلة ومتشابكة أو متناظرة وقد تتكرر في بعض الأحيان وخاصة عندما نتحدث عن الأشكال الهندسية حيث كانوا يستخدمونها في تزيين المساجد والدواوين والأبواب والسقوف والحيطان حتى وصل الى تجليد المصاحف والكتب والثياب والأثاث .

 

الخط العربي

بعد انتشار اللغة العربية من خلال الفتوحات الواسعة شرقا وغراب، صار لزاما على الأمم التي خضعت للعرب أن تحافظ على لغتها، فما كان منها إلا أن تبدأ بكتابة لغاته بحروف عربية، ولم يكن ذلك بهدف الحفاظ على لغتها فقط بل لصعوبة تعلم اللغة العربية ولضرورة تيسير تعلم الدين لمن دخلوا الإسلام في وقتها.فيما بعد تحولت كل الحضارات للكتابة بالخط العربي الذي استمده العرب من أجدادهم الأنباط الذين كانوا ينقشون حروفه مع الصخر. ومع التطور الحضارات في كل من اللغة والعمارة وباقي المجالات فيالثقافة العربية، تطور الخط العربي بأشكال مختلفة، منها تطوره من الكوفي الجاف غير المُنقط إلى أن وصل إلى مئات الأنواع حتى يومنا هذا، وكان الخط العربي على درجة من الأهمية بحيث يُستخدم الخط العربي كنوع مُنفصل من الفنون ويُستعمل لتزيين المساجد جنبا إلى جنب مع الزخارف -كما أسلفنا الذكر-.

 

 

العمارة الإسلامية

تطورت العمارة الإسلامية -كغيرها من الحضارات- في بداية الخلافة الأموية، حيث كان لكل خلافة إسلامية أثر وبصمة مميزة لانتشارها في بقاع الأرض، فكان المسجد النبوي بداية للعمارة الإسلامية وحجر الأساس الذي بدأت منه قبل أن تنتقل الخلافة للشام، والتي كان أبرز عمائرها المسجد الأموي في دمشق وقبة الصخرة في القدس، وما يدعو للتأمل هنا هو الكيفية التي تطورت العمارة بها من خلال إضافة المنائر والقباب وزخرفتها واستخدام الفسيفاء بها، حتى صارت العمارة الإسلامية أُعجوبة فريدة ذات طراز مُميز، وخير الأمثلة على ذلك : تاج محل الهند وقصر الحمراء في الأندلس واللذان يحملان روح الدقة والجمال والتطور الحضاري لهذه الحضارة الروحانية.

 

تاج محل

 

تاج محل

 

قصر الحمراء

 

تفصيل من أحد أبنية قصر الحمراء

 

 

ما يميّز الفن الإسلامي

قد ابتكر المسلمون العديد من الأساليب والحروف والأنماط التي تتماشى مع التشريع الربّاني، حيث ابتعدوا عن مظاهر الترف والبهرجة المبالغة، وجاء استخدام الخشب والزجاج والصلصال في الأعمال الفنية، بالإضافة إلى أننا نُلاحظ البعد عن تمثيل الأرواح والتماثيل المجسمة، حتى وإن كان استخدامها لأغراض فنية وجاء تحريم الشريعة باستخدام الذهب والفضة في تزيين المساجد أو استخدامها في صناعة الأواني والأطباقن وذلك تماشيا مع روح الإسلام التي تبتعد عن البذخ والترف مما دفعهم لابتكار الخزف ذو البريق المعدني عوصا عن ذلك، من الجدير بالذكر بأن الفن الإسلامي الكلاسيكي قد تمثل القيم المذكورة سابقا، إلا أننا لا يمكن القول بأنها استمرت -بحضاراتها المتعاقبة- بمعزل تام عن الحضارات الأخرى التي اختلطت بها، فتأثرت بها وأثرت بها لتُكسها شيئا من هذا الإرث الروحاني ذو الجانب المُشرق التي تشهد له الإنسانية جمعاء بجماليته وتفرده بأسلوب بات يعرفه القاصي والداني.

 

المراجع:-

  • د.مرزوق، محمد عبدالعزيز(1995م):الفن الإسلامي تاريخه وخصائصه.
  • قطب، محمد(1983م):منهج الفن الإسلامي، دار الشروق