في زماننا نجد الكثير من العرب يميّز بين الخطوط ويعرف المدارس والمذاهب الفنية للخط العربي ويضبط موازين الحروف بهندسة النقاط والكثير الكثير حول الخط العربي , لكن قلّ ما نجد من يعرف كيف أصبح الخط العربي بهذه الصورة وكيف وصل الحجاز إلى أن كتب الصحابة رضوان الله عليهم به المصحف الشريف وبعد ذلك عصر التدوين حتى وصل إلينا بهذه الجمالية التي بالكاد لا تجد مسجداً أو ديواناً أو حتى شارع يخلو من هذه الهندسة الرهيبة والبديعة .
تختلف المصادر بأن الخط العربي هو تطور للخط النبطي وتقول أخرى بأنه تأثر بهجاء السيريانية أو انتقل من الأنبار إلى الحيرة ثم الى مكة أو أنه اقتطع من المسند الحميري الذي كان باليمن وقد أجرى دراسة مقارنة بهذا الموضوع علماء ثقات نتيجتها بعد دراسة الأدلة أنه نتيجة لتطور الخط النبطي الذي كان متواجد شمال الجزيرة العربية في المملكة النبطية ( جنوب الأردن وشمال السعودية ) .

الخط النبطي

كان في الحجاز خطوط كالمكي والمدني اللينة وأما في الكوفة كان الخط يابساً الذي عرف فيما بعد بالكوفي الجاف وهذه الخطوط انبثقت كما ذكرنا سابقا من النقوش النبطية , ومن هنا بدأنا مرحلة جديدة امتزجت فيها الخطوط بين أقطار جزيرة العرب فظهر عندنا عدة خطوط مثل الأنباري والحيري والحجازي (مكي ومدني) من الحيرة شمالاً الى اليمن جنوبا .
ومنذ بزوغ عصر الإسلام اهتم الرسول عليه الصلاة والسلام بالتدوين بل كان واجبا ً فأمر الصحابة ( كتَاب الوحي ) بالتدوين فكان آنذاك بالخط الحجازي- الممتد من الحيري- والكوفي وعندما اتسعت دائرة الإسلام خارج جزيرة العرب وبالتحديد بخلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بدأ طور جديد على الخط العربي لم يألفه العرب بالسابق أمر أبو الأسود الدؤلي بوضع نقاط لتشكيل الحروف – دون الإعجام – تكتب بلون غير لون الحروف لكي لا يشكل على من دخل ضمن إطار الخلافة الإسلامية دون العرب في تدوين كل ما يلزمهم ومن ثم طَور تلامذة الدؤلي وأشهرهم نصر بن عاصم ويحيى بن عمير بوضع نقاط الإعجام ليميز الحروف عن بعضها البعض وفي العصر الأموي ظهر لدينا عدة خطوط جديدة على رأسها خط الطومار والجليل والكوفي المصحفي وبدأ العرب أكثر إهتماماً بفن الخط العربي وأصبح الخط العربي مضمار للمنافسة بين إضافة وابتكار وتزويق .
وعندما انتقلت الخلافة العباسية إلى العراق فكان عصراً ذهبياً بامتياز لاسيما وجود جحافل الخط العربي مثل الوزير ابن مقلة وابن البوَاب اللذين أسسوا لخطوط مثل النسخ والثلث والإجازة التي ما زالت تزين جدران بيوتنا ومساجدنا ونسخ القرآن الكريم بها لسهولتها وجمالها ومن الخطوط التي ظهرت أيضا مثل الكوفي المورق والمظفر والمزهر وغبار الحلية والبديع وغيرها .

الخط الكوفي المورّق

ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية الى حدود الصين شرقا حتى جنوب فرنسا غربا دخلت الكثير من الحضارات مثل الفارسية والهندية والمغربية بدأ يظهر خطوط أسهل وأكثر تنوعا مما كان عليه بالسابق فمثلاً في بلاد فارس وضعوا قواعد لخطوط تناسب ثقافتهم كخط التعليق والشكستة وبعدها خط النستعليق وبالهند خطوا بالبيهار والكلزار وعندما نذهب باتجاه الغرب لا يقل الإبداع بل وضعوا بالمغرب قواعد للخط الكوفي المغربي الذي كان رمزا لهم في الخلافات الإسلامية التي حكمت شمال القارة الإفريقية وبلاد الأندلس ونستوحي من ذلك أن الخط العربي يتناسب مع كل زمان ومكان وفي كل حين من الأحيان يظهر نوع جديد من الخط العربي منذ ظهور النقوش في سلع ” البتراء” عاصمة الأنباط الى يومنا هذا .


وفي العصر العثماني ازدهر أيضا وعاد انتعاش الخط لأنه كان محط اهتمام السلاطين بل كانوا يخطوا بايديهم الخط وابتكروا خطوط جديدة كسابقهم من الأمم والملوك والخلفاء فكان لخط الرقعة والديواني بأشكاله والطغراء نصيب الأسد وملاذ الخطاطين في عصر امتد قرابة 400 عام وأكثر فكانوا بارعين ومازالوا في بلاد الأنضول يبتكروا ويبدعوا أما الآن فصار الخط العربي ليس مجرد كتابة توصل من خلالها رسائل فحسب بل صار فنا مستقلا بحد ذاته ويدرس في معاهد حول العالم .

 

المراجع :

١-المُنجد، صلاح الدين: (١٩٧٨): دراسات في تاريخ الخط العربي،داو الكُتاب الجديد.
٢-الألوسي، عادل: الخط العربي نشأته وتطوره،مكتبة الدار العربية للنشر.
٣-محيسن،عبدالجبار حميدي:(٢٠٠٥):الخط العربي والزخرفة العربية.