التجريد: هو ترميز الأشياء، بهدف الوصول إلى ما وراءها، أي أن الفنان التجريدي يقوم بنقل الأشكال والاجسام من صورتها الطبيعية إلى أشكال تختزل في داخلها الجوهر الحقيقي للشكل. كما عرفه الفنان “ميتشيل صوفر”: بأنه كل فن لا يعمل على استحضار الواقع، بغض النظر عمّا إذا كان هذا الواقع يمثل النقطة التي بدأ منها أو لو يبدأ منها الفنان.

وفي توضيح آخر، فإن التجريد يقوم بتعرية الطبيعة، ونقلها من الفردية والتخصيص إلى شيء عام ومُطلق، بهدف إعطاء الإيحاء للمعنى، وكشف الأسرار من خلفه،وإعطاء الصورة الميتافيزيقة ، وقد يكون التجريد هندسيا أو أشكالا مبسطة تعتمد على الأقواس والمنحنيات.

عمل تجريدي للفنان “دولاني”

إن أساس فكرة التجريد وأصلها، جاء من الأفكار الصوفية التي تدعو للتجرد من متع الحياة، وتلخيص ممارسات الحياة في بالضروريات والأساسيات. حتى تسمو الروح وتطفو على السطح. ولهذا فإن التجريد يُعتبر فلسفة في الحياة قد تناولها العديد من الفلاسفة، قبل أن تكون حركة فنية متعلقة بالفنانين.

في عام 1908م تقريبا، قام الفيلسوف “فورينجير” بنشر كتابه “التجريد والتصور” وفي نفس العام كان “كاندنسكي” قد نفذ أولى أعماله التجريدية، وقد كان هذا التزامن بين الكتاب والعمل بمثابة الشرارة الأولى التي أشعلت الحماس لهذه المدرسة في ألمانيا، فانشغل العديد من الفنانين بدراسة هذه المدرسة والمبادئ التي تقوم عليها.


أسلوب كاندنسكي

كان أسلوبه يتمثل في النظرية الجمالية التي تقوم على فصل القالب عن الأشكال الطبيعية، وتحرير التصوير من قولبه المتمثلة بالشكل الخارجي، وأن تعطيها إحساسا موسيقيا، وأن يرتبط مباشرا بما هو مُختزل وحسي، والموسيقى تماما. وقد كانت أعماله ذات معنى إيحائي من وجهة نظره، وتأثيرا سيكولوجيا كبيرا حسب رأيه، وأنها موضوعا للتأمل. (اقرأ المزيد عن كاندنسكي من هنا)

ولم يكن “كاندنسكي” بالطبع متفردا، بل رافقه زملاءه كل بأسلوبه، كـ”بول كلي” و”دولاني” و”كوبكا” و”موندريان”.

كاندنسكي


لوحة تجريدية لـ “كاندنسكي” – 1911م

فلسفة التجريد

كما ذكرنا فإن التجريد يقوم بتعرية الأشكال من صورتها العضوية، لتطبيق يكون التجريد كاملا.. أو بالحد من عضوية هذه الأشكال وواقعيتها، وقد يكون جزئيا أو كليا.

وإذا أردنا أن نتناول التجريد بأبسط الأمثلة، فإن الكرة تصبح دائرة، والمنزل يتخلى عن تفاصيله ليصبح مستطيلة، وهكذا.. وفي الوقت ذاته فإن هذا الشكل المبسط قد يحتمل عدة تفسيرات في نظر المتلقي، فعلى السبيل المثال: قد تكون الدائرة كُرة أو شمس أو بُرتقالة أو غير ذلك.. وعلى الرغم من سهولة ما يبدو عليه هذا الوصف، إلا أن الفنان يحتاج إلى تجربة عميقة، تُدخله في عديد من التأملات والتساؤلات لاستنتاجها.

لوحات تجريدية للفنان “كوبكا”

وقد تكون الأعمال التجريدية هي الأكثر إثارة للجدل في المجتمعات غير المتعمقة في الفنون وتاريخها، حيث يستنكر المتلقي عادة أي عمل تجريدي بحجة عدم فهمه، وغالبا ما تكون عملية توضيح أهمية العمل أو مدى نجاحه من فشله صعبة جدا، والسبب في ذلك هو أن التجريدية في أساسها قد حررت الفنان من التصوير الواقعي، أو الرسم ذو القوانين الأكاديمية الصارمة. وفي الواقع فإن هذه السمة التي تًحسب للتجريد، وتظهر تفرده من بين المدارس الفنية، هي ذاتها تُسبب مشكلة مع بعض الطلبة أو المستجدين، بحيث قد يُضيف فنانا إلى الفن بتجريده واختزاله المعاني العميقة في خطوط ومنحنيات بسيطة، بينما قد يتهرب البعض من القوانين الأكاديمية، ويقوموا باللجوء إلى التجريد من دون فهم حقيقي أو إمكانية عالية إلى للتعبير بتجرُد. ولهذا يبقى تصنيف الفن التجريدي (بين الجيد وغير الجيد) أمرا غاية في الصعوبة، فقد يجد المتلقي نفسه في حلقة مفرغة. إلا أننا نعود لنقول بأن اساس الفن هو التجريد، وقد ظهر هذا جلياً في فنون سابقة لظهور التجريدية مدرسة مستقلة، كـالفنون البدائية وفنون النيجرو مثلا.

الاتجاهات الرئيسية للتجريدية:-

1) الموسيقية (1910- 1916): وهي الطريقة التي اعتمدها كاندنسكي في أعماله، حيث كان يموضع خطوطه التجريدية كأنها ينبوع ينساب على لوحة. وقد كانت الحركات الغنائية هنا تُشبهة بشكل او بآخر الوحشية التعبيرية.

2) المعمارية(بدأت في 1917): كما عبر عنها الهولندي “موندريان” فكان يستمد كل أشكاله من العمارة، واتخذ مدرسة جديدة للتجريد أطلق عليها “التشكيلية الحديثة”، وكان الفكر المنطقي فيها يغلب على الحس الغنائي، وقد كانت قريبة من التكعيبية. بالإضافة إلى تفرعات أخرى عديدة، كالحركية: بقيادة الفنان “كالدر” والذي أجرى تجارب عديدة لتحرير الأعمال التجريدية من كونها ساكنة ومعلقة في جدار، والنقائية: والتي تهدف للوصول إلى النقاء الكامل من اي قوانين في الفن، والطبيعية: وهي التي تعتمد على الطبيعة في تكويناتها، بالإضافة إل التعبيرية والإيجازية .. إلخ ..

لوحة تجريدية للفنان ” بول كلي”

المراجع:-

1- البسيوني،محمود: الفن في القرن العشرين،مركز الشارقة للإبداع الفكري.

 2- محمد،حسن: مذاهب الفن المعاصر، مركز الشارقة للإبداع الفكري.