“بيت صلصال” هو مساحة إبداعية مليئة بالألوان والضحكات الدافئة مكانها في المركز الرئيسي لمؤسسة روّاد التنمية الواقعة في جبل النظيف في عمّان ، وهي من تأسيس فنانة السيراميك رُلى عطالله بالتعاون مع مؤسسة “روّاد التنمية” في عام ٢٠٠٦

يهدف “بيت صلصال” إلى توفير مكان مناسب للشباب والشابات من ذوي الاحتياجات الخاصة لإطلاق العنان لقدراتهم الفنية، وإنتاج أعمال فنية متنوعة بين الرسم والصلصال والحرف اليدوية.

فكيف بدأت فكرة هذا المشروع ؟

قمنا بطرح هذا السؤال على الفنانة رُلى عطالله مؤسسة محترف صلصال, وهذه كانت القصة :

خلال عملي بالخزف ، وأثناء تشكيلي للطين أغمض عينيّ أحيانا لأن هذا يساعدني في الإحساس بالقطعة أكثر من خلال يديّ. قادني ذلك للتفكير بإشراك الناس الذين يعانون من فقدان البصر كي يخوضوا تجربة العمل بالطين ، لأن هذا النوع من الممارسة الفنية سيكون مناسباً بالنسبة لهم من وجهة نظري، لأنهم سيعملون بأيديهم أكثر من أي شيء اخر.

وددت البدء بهذه الفكرة مع مجموعة صغيرة من الكفيفين ، وعندما بدأت هذا المشروع تواصلت معي مديرة مؤسسة رواد التنمية “رغدة بطرس” في ذلك الحين , وطرحت فكرة أن أعمل مع مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة ، وبدأت العمل مع مجموعة مكونة من شخصين ثم بدأوا بالازدياد مع مرور الوقت, ولكن لم يشاركنا أحد من الكفيفين, وهكذا بدأ المشروع.

عندما رأيت مدى استمتاعهم بالعمل في الطين زادت رغبتي في الاستمرار بهذا المشروع وتطويره . أكثر ما أسعدني هو رد فعل الأمهات وسعادتهن بإنجاز أبناءهن. وجد مكان يلجأ له هؤلاء الشباب والشابات لتفريغ طاقاتهم الابداعية والتعرف على زملاء لهم في نفس ظروفهم الصحية والاجتماعية مما يساعد هذه الأمهات على العناية بهم وفتح باب التعارف بينهنّ, وهذا بالطبع زاد شعورهن بالطمأنينة لوجود زميلات جدد ظروفهن متشابهة.

أصبح المحترف بمثابة نادي لهؤلاء الشباب والشابات ، حيث لم تعد تقتصر نشاطاتنا على الصلصال وحسب ، بل هناك نشاطات أخرى مختلفة ، لقد ساعدهم المحترف على إدماجهم في المجتمع كأفراد طبيعيين لهم الحق بممارسة حياتهم بشكل طبيعي بعيدا عن حالات التنمر التي يتعرضون لها من المجتمع.

صورة للفنانة رُلى عطالله مع طلاب محترف بيت صلصال

 

للاطلاع على نشاط المحترف عن كثب قمنا بقضاء يوم من أيام ورشات الرسم التي يقيمها المحترف برفقة الفنان هاني علقم والذي يشرف على تدريب المنتفعين في صلصال الرسم منذ عام 2009. فقد راقبناه وكأنه يقود سيمفونية من الأيدي والألوان تتفاعل مع بعضها البعض.  ولم نفوّت الفرصة لعمل لقاء مع الفنان لإلقاء الضوء على جزئية تدريب الرسم والحديث عن رحلته في المحترف من البداية والمستمرة حتى الآن ..

صورة لفريقنا مع طالبات المحترف

 

حدّثنا عن بدايتك مع محترف بيت صلصال ؟

التقيت  برُلى في مرسمي الخاص ، وكانت رُلى في ذلك الوقت تعطي أعمال الصلصال لبعض الفنانين كي يضيفوا عليها بعض من إبداعهم .. وكنت واحدا من هؤلاء الفنانين ، وعند لقاءي بها اقترحت عليها إضافة ورشات للرسم إلى جانب الصلصال في المحترف ، حتى يقوموا هم بإضافة الألوان إلى أعمالهم الطينية دون الحاجة إلى فنانين آخرين.

رحبت رُلى بهذا الاقتراح ، وطلبت منها التعرف على المنتفعين بالمحترف ، ثم بدأت معهم هذه الرحلة وكنت الفنان الذي يشرف على تدريبهم الرسم.

 

ما التغيير الذي لمسته على المنتفعين عند إدخال الرسم على ممارستهم الفنية داخل المحترف ؟

كان الاختلاف بين نفسي و تفاعلي ، كنتُ مهتما بأن يخوضوا تجربة مع الألوان وضربات الفرشاة لإيماني التام بأن للألوان تأثيرا إيجابيا على الدماغ ولها تأثير قوي على تفكيرهم ومشاعرهم لتخفيف التحدي الذي يعيشه هؤلاء الشباب والشابات.

لذلك آمنت بأنه ومن خلال هذا الشي سيخلق لغة تواصل بيني وبينهم . في البداية كان من المهم أن يحبوا ما يفعلوا بغض النظر عن مستوى الأعمال التي يقدموها.

مع مرور الوقت والتدريب أصبح لديهم مدى أوسع لخيالهم مع اللون ، سمح لهم ذلك بإنتاج أعمال أقرب للتجريد في البداية ثم انتقالا للوحات تحتوي على شكل ومضمون.

 

هل واجهت صعوبة في البداية ؟

لم يكن هناك صعوبة لأن الهدف لم يكن تعليمهم شيء ، بل كان الهدف هو خوضهم تجربة مواد وأفكار جديدة . لذلك لم يكن هناك تحديات بقدر ما كان المطلوب هو فقط استيعابهم والإيمان بقدراتهم، يمكن القول بأن التحدي كان بيني وبين نفسي؛ وهو أن أجد الطرق التي تساعد في تطويرهم أكثر وتكون ممتعة لهم في ذات الوقت.

 

ما الفرق الذي كنت تلمسه عليهم مع مرور الوقت ؟

كانت رغبتهم ودافعيتهم للتفاعل مع الألوان تزداد أكثر وتتحول إلى شغف ،و كان هناك تطورا ملحوظا على إحساسهم باللون، أصبح لديهم ذوقهم الخاص في اختيار الألوان في العمل ، وصلوا لمرحلة إدراك أهمية الفن بالنسبة لهم من حيث التفريغ النفسي والعاطفي ونقلهم إلى عوالم أخرى في الواقع و الخيال. وهذا التطور لا زال مستمرا حتى اليوم.

 

لم يقتصر دورك في المحترف على كونك الفنان المشرف على ممارسة المنتفعين الرسم وحسب ، بل وتسويق الأعمال التي ينتجوها وربطهم مع دور العرض, حدّثنا عن ذلك.

نعم , كان هذا جزءا من عملي معهم بالتعاون مع رُلى ، والبحث عن سبل نشر هذه الجهود الإبداعية المبذولة من قبلهم وكيفية إظهارها للعالم . وكانت المهمة أن نكشف عن وجود مفهوم آخر للفن ، وأنه هناك شباب وشابات من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة قادرين على إنتاج الفن بشكل فطري غير مألوف.

لذلك نقوم بتنظيم معارض بشكل مستمر حتى يحتفوا هم أيضا بنجاحهم ، وقد لاقت هذه المعارض نجاحا كبيرًا. أما الآن فسوف تعرض بشكل دائم في قاعة رمّان وهي جاليري للحرف اليدوية يتواجد في نهاية شارع الرينبو.

 

كيف تصف تلقّي الجمهور لهذه الأعمال ؟

الجمهور للوهلة الأولى تتملكه مشاعر الدهشة والاستغراب والتساؤل عن كيف لهذه الفئة أن تنتج هذه الأعمال الفنية ، حتى أنني أحيانًا أشك بأنهم غير متأكدين تماما بأنها من إنتاجهم. أنا شخصيا أشك أحياناً من إنتاجهم هذه الأعمال رغم عملي معهم! لذلك ألجأ دائما لتوثيق عملهم وهو قيد الإنجاز بالصور والفيديو وأقوم بنشرها على الفيسبوك (رابط صفحة المحترف على فيسبوك).

أسعد جدا وأصاب بالذهول من قدرتهم على التطور ومن شغفهم الكبير ، لقد اعتدنا على الشك بقدرات الشباب والشابات من ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعاتنا . ولكن كانت رسالتي أنا و رُلى هي أنهم يستطيعوا فعل شيء ، شيء مختلف ومهم وحتى مُنافس.

 

ماذا أضاف محترف صلصال للفنان هاني علقم ؟

هناك شيء مختلف في هذا العمل، وهو أنك تعطي وتأخذ .. أي أنه كما تقدّم لهم شيء يعطوك شيء بالمقابل. أحاول دائما أن أتعلم منهم، فلديهم طريقة مختلفة بالتفكير والتبسيط والإحساس ، وهذا يساعدني أنا كيف أرى عملي الفني من منظور آخر.

 

هل يمكننا القول بأن تجربتك في صلصال كان لها تأثير على ممارستك الفنية؟

ليس على ممارستي بقدر ما هي على طريقة تفكيري ، تعلمت أن أكون منفتحاً أكثر بالفن.

أطّلع باستمرار على حركة الفن المحلي والعالمي وأقوم بعمل مقارنة بين عمل صلصال الفني وأعمال أخرى على مستوى الفن الفطري والتعبيري والرمزي وأجد بأنه في مكان جيد جدا يمكننا أن نفتخر به.

 

ما هو طموحك لصلصال؟

أن يزيد عدد المنتفعين من صلصال ، وأن يصبح على خارطة الفن التشكيلي في الأردن ، ويتم التعامل معهم كفنانين تشكيليين لهم تقديرهم واحترام قدراتهم بالوسط الفني التشكيلي داخل الأردن وخارجه . كما أنني لا أتعامل معهم كذوي احتياجات خاصة بقدر تعاملي معهم كذوي تحديات خاصة بالفن في رحلة تطور كأي فنانين تشكيليين محليين أو عالميين. أتعامل معهم كمسؤولين لديهم واجبات ومسؤوليات، وهذا ينعكس على شخصياتهم سلوكياً ونفسيا واجتماعياً.

 

المزيد من صور زيارتنا..

صورة لبعض طالبات المحترف الجميلات

لوحة (زحمة عمّان) من إنجاز طلاب المحترف الشباب