ولد جورج رووه في باريس في ٢٧ مايو ١٨٧١ ، وتوفي في باريس في ١٣ فبراير عام ١٩٥٨ . وفي عام ١٨٨١ تلقى تعليمه الأول في الفن من جدّه “ألكساندر شامبدافوان” “Alexandre Champdavoine” ، وتتلمذ كصبي في الزجاج المعشق بالرصاص مع الفنانَين “تاموني” “Tamoni”، و “هتش” “Huch” .

وقد كان يرمم الشبابيك المعشبة بالرصاص في هذه الفترة “١٨٨٥ – ١٩٠٠” . وازداد اهتمامه بالفن الديني بتدريبه في مدرسة الفنون الجميلة ، حيث أنه بدأ دراسته مع “إلي ديلوني” “Elie Delaunay” ، ثم دخل استديو “جوستاف مورو” الذي كان طرازه الخيالي مؤثراً في تكوينه.

   ولعل اهتمامات رووه الدينية كانت أكثر من غيره من معاصريه ، حيث ظهر ذلك جلياً في تعبيره في لوحات متعددة عن شخصية المسيح بأسلوبه الحديث . والاتجاه التعبيري واضح في أسلوب رووه حيث تتسم شخصياته بالوجوه المختلفة ، والأعين الشاخصة ، والشعر المليء بالخصل .

لوحة للفنان "جورج رووه"
photo by: Sharon Mollerus
لوحة للفنان “جورج رووه”
photo by: Sharon Mollerus

وكان رووه من أكثر الفنانين استخداما للون الأسود ، فيحيط به كل أشكاله ومخلوقاته . حتى شكّل من طريقة استخدامه له أسلوبا مميزا في القرن العشرين . وقد أتى بهذا الاسلوب من عمله السابق في بعض الكنائس في فن الزجاج المعشق بالرصاص ، والكل يعرف كيف يحيط الرصاص بالزجاج ويعطيه أشكالا محددة . فاستوعب رووه ذلك في تصويره ، وأبدع أشكالا غارقة في حدود من الألوان الفاتحة والسوداء ، نعرف منها شخصيات : المسيح ، والأتباع ، واللصوص ، والقضاة ، والمحلفين ، والعروس .. وكل أعماله تظهر فيها وجوهاً تحمل دسامة اللون مثل استخدامه : الأحمر الفاتح ، والأخضر ، والأصفر الفاتح .. وكانت ألوانه سميكة على اللوحة ، لكل منها ملمسها الخاص وظلالها حول الألوان الاخرى المجاورة لها .

وقد عرض رووه بين الحين والحين في باريس ، فقد عرض في بدايته في صالون الفنانين الفرنسيين ، ثم بعد ذلك في صالون الخريف ، وقد شارك في عام ١٩٠٥ أعماله الوحشية . وبعد معرضه الأول الخاص عام ١٩١٠ الذي أقامه في جاليري درويت “Galarie Druet” بدأت شهرته تزداد.


ولم تقتصر موضوعات رووه على النوع الديني فحسب ، فتماشياً مع ما كان سائداً ، ظهرت له تعبيرات جديدة -إلى جانب المسيح- . وكان يستخدم موضوعاته رموزاً للخير والشر وكأنها في كرنفال يحكمها اللون الأسود في محيطها ، الذي له دلالة رمزية مستمدة من تراث الرصاص الذي يحيط بالزجاج في نوافذ كاتدرائيات القرون الوسطى . وينطوي اُسلوب رووه تحت التعبيرية ، فكان ارتباطه في بدايته عام ١٩٠٥ بالوحشية ، جعله يختط طريقا مليئاً بالتعبير فيما بعد يربطه بفناني الشمال ، أمثال فان كوخ و إدفارد مونخ .

photo by:
Sharon Mollerus


واذا كان لنا أن نلخص في إيجاز ما أضافه جورج رووه لحركة الفن الحديث .. فيمكن تلخيص ذلك في البنود التالية:-

1- لعب بسمك الألوان في التصوير ليشكل لوحاته بفيض من القوة التعبيرية، ولم يعُرف فن التصوير بهذا النحو من قبل .

2- تمكن من إستخدام اللون الأسود الذي كان محرمًا حتى على رونوار، وباستخدامه حرر أداة من أدوات التعبير، بل وقوة مثيرة من مقوماته الرئيسية ، وأفاد في ذلك من تلمذته على الزجاج المعشق بالرصاص.

3- لم ينشغل بنعومة السطح، ولا بالحرفنة الكلاسيكية لصقل الأشكال لمضاهاة الطبيعة الظاهرة، ولكنه بقوته التعبيرية المتدفقة سمح لبطش الألوان أن تشكل كيانات شخوصه بتفرس مميز، حيث تنساب الألوان : الزرقاء، والحمراء، والصفراء، والسوداء، في تداخل تعبيري مميز يمثل شخصيته الفريدة في القرن العشرين.

4- لم يجرفه التيار التكعيبي برغم توازي إنتاجه لهذه الحركة ، فقد ظل بشموخه و برموزه البصرية ، ويعبر عن موضوعاته المتناقضة : بين الخير والشر ، وبين السرور والألم ، وأحرق بشجاعة من إنتاجه ما لم يكن يرضَ عنه ، لنزعته الدينية المتأصلة ، وروحانيته .

من المؤسف بأن الفنان قبل مماته، قام بحرق عدد كبير جدا من لوحاته، بحجة أنه شعر بأن موته سيسبق إتمام هذه الأعمال، وكان لهذه الأعمال أن ُتقدر بالملايين لو لم تُحرق.

المراجع:- 

-بسيوني،محمد(2000):الفن في القرن العشرين، مركز الشارقة للإبداع الفكري.

-مصطفى، صلاح(1977): أساتذة الماضي، وزارة الثقافة السورية

-https://en.wikipedia.org/wiki/Georges_Rouault