لطالما لعب الفن دورًا فكريًا أساسيًا في التعبير عن مناسبات الشعوب وأحداثها، فقد يُعبر عن حدث بذاته أو قد يكون -العمل الفني نفسه- مُحركاً للحدث ومصدراً لسلسلة جديدة من الأحداث وردود الفعل الشعبية، ولا يسعنا سوى تسليط الضوء على الدور الفعّال الذي يلعبه الفن في شارعنا العربي، فعلى اختلاف ما بين السطور إلا أن العنوان الأساسي واحد .. الفن كوسيلة أساسية للشباب العربي للثورة.

في مقالة سابقة كُنا قد سلطنا الضوء على فن الشارع وارتباطه بالسياسة في مصر(بإمكانك قراءة المقال من هنا) وفي هذا المقال نقوم بإيصال رسالة الشباب العراقي الذي ينتزع مطالبه وحقوقه انتزاعاً من خلال ثورته السلمية، نستعرض هُنا عددا من الجداريات والأعمال الفنية التي رُسمت خلال فترة نزول الشباب للشارع بأيادي عراقية وإبداع الشباب العراقي، الذي لم يكون يوماً سوى صورة للحضارة والثقافة والفن.

الأعمال في هذا المقال تم تجميعها والحديث مع مبدعيها من خلال صديقة الموقع الفنانة سجى محمود من العراق، والأعمال هُنا ما هي إلا جزء بسيط من إبداع الشباب العراقي.

 

 

الثورة العراقية والفن

عمل للصديقتان رؤى ورواسي

 

تخبرنا رواسي حول هذا العمل بأن هذا العمل هو إعادة صياغة “نصب الحرية” للفنان جواد سليم، حيث يطرحن من خلاله فكرة نزول عناصر العمل من على الجدارية لتأييد الثوار والوقوف إلى جانبهم، وتضيف بأن ما دفعها للقيام بذلك -هي ورؤى- هو إدراكهن لبساطة وعمق رسالة الفن دون الحاجة للكلام بصفتته لغة العالم.

 

أما ماهر ابن البصرة -كما وقع عمله- ينتقد سنوات الطائفية والهيمنة على العراقيين باستخدامها، ويصف بأن المكان (نفق التحرير) يضيق أمام عظمة الفكرة والرسالة. يقول ماهر:-

“كانوا يصورون لنا الطائفيه كجزء لا يتجزأ من المجتمع العراقي، ويحاولون إقناعنا بأنهم يحموننا من أنفسنا وإخواننا، ويقومون -بوقاحة- بربط الطائفية بالدين حتى وصل بهم الأمر إلى محاولة جعل الدين طائفيا بحد ذاته..

قيدونا بأسلاك لأسباب وهمية واهية صنعوها لأهدافهم الخاصه ..قاموا بتشتيتتنا لأن فيه نصرتهم،  وبعد سنين عجاف عشنا فيها المر واكثر، هذه السنين نالت من إنسانيتنا اتجاه بعضنا البعض.. سنين فقدنا فيها الاحساس بوطنيتنا وطننا.. هذه القسوة التي صنعوها جعلت جيلنا يتأمل خيرا ليكسر تلك المخاوف التي اغلقت افواه الاجيال السابقه، جيل أعطى درسا لكل العالم ..جيل رافض للذل .. للتحزب ..للسكوت عن حقه وحق هذا البلد.. جيل أنتج صحوة اكتوبر التي أيقضت تلك الضمائر الباهته عنوانه هيهات منا الذله.”

 

فن الثورة العراقية

عمل ماهر الذي يقدم صورة لسيطرة الطائفية على الشباب العراقي

 

 

 

“نور إسماعيل” والتي عملت على مفهوم “اصنع فن لا حرب” بالتعاون مع صديقاتها فاتن وربيع وزينة ونور، تؤكد بأن الرسومات في التحرير كانت رسالتهم عظيمة وهي تشارك رفاقها من الفنانين الرأي بأن الفن هو وسيلتهم الحالية للمؤازرة والدعم بطريقة حضارية وسلمية، ووضحت بأن عملها المرفق هو رسالة تخليد وتوثيق للثورة والتوضيح بأن هذه الثورة هي ثورة بناء وإعمار وليست ثورة هدم.

 

فن العراق

عمل نور اسماعيل ورفيقاتها

 

 

أما مهيمن من كربلاء، فيقول:-

“لإيماني المطلق بأن الفن وسيلة لتخليد احداث الإنسان ورسائله المهمه ، قررت تحويل جدران مدينيتي الباهته الى لوحات زاهية الألوان تُمجد اسم العراق وثورته السلمية.. رسمت فن “الدولز” في ساحات التظاهر، كانت فكرتي هي أن الدائرة السوداء بؤبؤ العين والألوان التي حوله هي ألوان قزحية العين وتمثل ألوان عيون العراقين.. وبهذا يجتمعون على حب العراق”

 

الفن العراقي

جدارية لـ”مُهيمن” من جنوب العراق

 

“شمس” عبرت بطريقة مختلفة بعض الشيء، فحسب ما ذكرت بأن عملها جمع بين أكثر ما تحب.. العراق وفن الكارتونن وتصف عملها باللهجة العراقية قائلة: “جنت دائما اكول -وحبقى اكولها- ان العراق بلد العجائب وحتعرف هلشي من حتعيش بي، فرسمت نفسي بملابس أليس لأن هذا اللي أحسة أليس في بلاد العجائب.. لا وانما اليس في بغداد”

 

بغداد الفن

“أليس في بغداد”

 

وللشهداء خصوصية بين الفنانين الثوّار .. يُمثل “رنيم الآلوسي” الشهداء في عمله، ويوضح لنا قائلا: ” ١٦ عاماً لم تفارق فركة الموت العشوائي المواطن العراقي، لتكون جزءا كبير من تكوينه السايكيولوجي و الابستملوجي .. لتغدوا فكرة الفقد أو المغادرة جزء من التوقع اليومي المعهود .. لكن يبقى التشخيص على صعيد الحدث هو المحدد الاول، ويُعرف الشهيد حسب الحادث الذي أودى به كما في ( شهداء الكراده ، شهداء سبايكر ، شهداء الطائفية، شهداء السده ، شهداء الاربعاء الدامي .. إلخ.. ) عملي بعنوان “الجنة” تشخيص لشهداء دون مسميات و دون حدث ودون تشخيص، يُمثل فكرة لقاء الأرواح بعد الحياة في الملكوت.. غرباء عن بعضهم البعض في الحياة الدنيا ولكنهم أمسوا عائلة متآلفة تتشارك فواجع الحدث في الآخرة مرتقبين القادم الذي لم يأتي، ما زالوا يُبصرون وينتظرون تحقيق حلمهم الذي ضحوا من أجله.”

 

الفن العراقي والثورة

رنيم كفاح الآلوسي

 

 

وبالحديث عن الشهداء، فالعمل التالي لسجّاد مصطفى هو عمل مشترك مع عدد من أصدقاءه، حيث تم توثيق أسماء الشهداء باللون الذهبي على خلفية سوداء تكريمًا لهم، وتوسط اللون الذهبي -وفي قلب الدائرة- عبارة “البصرة الفيحاء الى بغداد السلام” باللون الأحمر.

 

“سجّاد” خلال عمله

 

 

 

أما بالنظر إلى أعمال علي خليفة، يتضح بأن هدفه يتخطى الرسالة الثقافية والفنية لغايات التوثيق بل هو يستخدم الفن كوسيلة لتسليط الضوء ولفت أنظار جهات معنية ويدعوها للتدخل .. يقول علي: “الجداريات في ساحات التظاهر أوصلت الرسائل وبشكل اكثر من المتوقع وخاصة رسالتنا لأنها اعطت نكهة ثقافية بجانب الثورة والرسالة التي أردنا إيصالها هي أن يكون هناك تدخل من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لوقف العنف دون غيره.” العملان المرفقان لعلي خليفة يوضحان ذلك.

 

الثورة العراقية

علي خليفة

 

العراق والفن

علي خليفة