“منذ الوهلة الأولى شعرت وبشدة أنه لم يكن كغيره من الفنون، فن ساحر آسر بأشكاله وألوانه في نفس اللحظة، ذلك الفن الذي يقال عنه فن البهجة ..”

كثُرت في الآونة الأخيرة انتشار الأمراض النفسية حول العالم كالتوتر والاكتئاب، العصبية والقلق المزمن وهو ما صاحب كثرة انتشار المهدئات التي تمنح الإنسان راحة مؤقتة والتي مع مرور الزمن تؤدي إلى إدمان صاحبها وتدمير جهازه العصبي وغيرها من النتائج التي لا تحمد عقباها. إن انتشار مثل هذه الأمراض جعل الكثير يتجهون لممارسة بعض التمارين المنتشرة في الثقافات الشرقية كالتأمل واليوجا والتي من شأنها تحسين الحالة النفسية والشعور بالسلام النفسي، ولكن هناك حل آخر أكثر سهولة وذو تأثير فعال وأكثر إمتاعًا للنفس، ألا وهو فن الماندالا، والذي يعد من الفنون التي لم تنتشر بعد بالشكل الكافي حول العالم.

فن الماندالا، ذلك الفن الذي يسحرك بتفاصيله الدقيقة وألوانه الزاهية ومن أول ممارسة سواء كنت رسامًا أو غير رسام سوف تجد نفسك ترسم أشكالًا متكررة بلا توقف. الماندالا في اللغة السنسكريتية تعني الدائرة، وهي عبارة عن رسم معقد داخل دائرة، بها أنماط مكررة ومتناسقة ، وداخل تلك الدائرة العديد من الفراغات والأشكال المترابطة ببعضها البعض منها الأشكال أو الزخارف النباتية أو الهندسية، لذا يتطلب على ممارس هذا الفن أن يكون بكامل تركيزه أثناء رسم أو تلوين الماندالا، وهذا مع الوقت يفصله عن الهموم التي تشغل باله، وتمنحه استراحة طويلة من الأفكار السلبية التي تسمم أعصابه.

الأمر المميز في فن الماندالا، هو أنها تخبرك الكثير عن نفسك، ولكل شخص قدرة على تحويل الماندالا إلى أشكال مختلفة ومميزة باستخدام الألوان والخامات المتنوعة، فإذا أعطيت رسمة الماندالا لأكثر من شخص ، ستعود إليك أكثر من لوحة ملونة بمزيج وتوزيع مختلف من الألوان، والأهم من ذلك، أن تلك الطريقة في العلاج ليس لها نفس مخاطر المهدئات الطبية، وإن لم يعالجك فن الماندالا؛ ستكون النتيجة هي مجموعة جميلة ومبهجة من الرسومات الملونة، والتي كلما نظرت إليها ستصيبك بالبهجة والدخول في حالة من الاسترخاء والهدوء النفسي.

العلاج النفسي بالألوان والفن أمر أصبح متعارفًا عليه في الوقت الحالي بين الأطباء النفسيين حول العالم، ولم يعد يندرج تحت فئة العمل النفسي غير المحترف، يؤكد العديد من الأطباء النفسيين أهمية تأثير الألوان والفن وبخاصة فن الماندالا على الحالة النفسية والصحة العقلية بشكل عام، بالإضافة إلى قدرة الأطباء النفسيين على استنتاج الأمراض النفسية العالقة في العقل الباطن للمريض، من خلال الألوان التي يستخدمها في تلوين الماندالا الخاصة به، وكأن العقل الباطن يرسل رسائل مشفرة لينقذه من عذابه النفسي والذي لا يقدر الشخص على التعبير عنه، لأنه لا يدركه في عقله الواعي.

من الفوائد النفسية التي يحصل عليها ممارسو فن الماندالا هي التخلص من الإجهاد والمساعدة في تعزيز التركيز ولتخفيف التوتر وتقليل القلق، أيضًا هناك التأثير العلاجي من خلال بعض تطبيقات وكتب الماندالا للتلوين المخصصة لمن يصعب عليهم رسم وتخطيط الماندالا والتي تقلل من أعراض الاضطرابات النفسية. إحدى الفوائد الأخرى التي يمكن استخلاصها من هذا الفن المبهج هو الحصول على فرصة للتأمل وتحقيق التوازن بين العقل والجسد وأظهرت بعض الدراسات أن رسم أو تلوين فن الماندالا له نفس تأثير التأمل الذي تحصل عليه من خلال الانضمام لدروس اليوغا. بالإضافة إلى إنعاش الدماغ من خلال رسم أو تلوين الأشكال الدقيقة والتي بدورها تثير الدماغ لاختيار الألوان الأكثر جمالية، فتنشط الأجزاء التحليلية في الدماغ وبالتالي تفجير للطاقات الابداعية.

 

المراجع:
▪ الماندالا الشافية والأثر السحري، الأكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالي، https://www.abahe.uk/psychology-arabic/84415-
▪ “الماندالا” فن يدخل عيادات الصحة النفسية، صحافيون، 2018 http://www.jmijournalists.com/Share/Print/5776