ظهرت المدرسة الدادائية في عام 1914م، بالتزامن مع الحرب العالمية الأولى، وقد نشأت على يد مجموعة من الفنانين والشعراء والأدباء المستقلين، من جنسيات أوروبية مختلفة، وقد اجتمعوا في سويسرا هربا من الأوضاع السياسة في بلدانهم، وقد كان السبب في اجتماعهم هو الرغبة في الانتقام من كل ما له صلة بالحروب والمجازر، والثورة على كل الأكاذيب التي تبرر قتل الإنسان والإنسانية، وكل من يبررهم بأي شكل من الأشكال، وبالأخص من يستعمل فنه أو أدبه وتسخيره لذلك.

إن هذه الثورة لم تكن حركة فنية فحسب، بل كانت فلسفة حياة كاملة، بحيث أنها كانت تثور حتى على العلم والتقنية، وأي أسلوب حياة يومي بسيط -في حال تم وضعه في خانة تساند الهدم والتخريب-.وإن هذا التناقض ما بين ما يعترض عليه الدادائيون، وما يستعملونه كأسلوب للثورة -في نفس الوقت- يدفعنا للتفكير في هذا الأمر استغرابا، ولا يسعنا سوى أن نصل إلى استنتاج بأنهم ربما قد عجزوا عن محاربة الفوضى إلى بالفوضى.

 

“إن هذه المجموعة تهدف إلى تذكير الناس بأن وراء الحرب، ووراء الأوطان يوجد رجال مستقلون، لهم مُثل عليا مختلفة عن مُثل غيرهم”

                                                                                                                        – “هوغو بُل”

 

“هوغو بُل”

 

وإذا تناولنا الدادئية إصطلاحا، فهي الفوضى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهي تقهقر الجبن والخوف الذي يحطم المعايير التي اعتاد عليها الإنسان، وهي الجنون والحمق كذك، والكفر بكل ما آمنت به الإنسانية من مقدسات في مختلف مجالات الحياة، والذي تمخضت عنها هذه الثورة المدمرة التي سعت بكل ما تملك تفتيت وهدم كل ما سبقها من نُظم وقيم ونظريات.

 

وعلى مستوى الفن تحديدا، فقد كان دورها تفنيد كل ما سبقها من مقدسات فنية، والسخرية والاستهزاء بكل ما هو منطقي يتعلق بها، حتى أن عديدا من رواد الفن، قد تركوا أساليبهم ومدارسهم الفنية، وتبعوا الدادائية، مثل بيكابيا الذي تخلى عن التجريد وسخر منه بعد أن كان من أتباعه سابقا، بالإضافة إلى أن احسار التكعيبية قد مَهَد وعزز إمكانية ظهورها.

 

 

 

 

 

الرواد

كما ذكرنا مسبقا فإن رواد هذه المدرسة هم مجموعة من الفنانين والأدباء والشعراء، وغيرهم من أصحاب المهن المختلفة، لكن الأساس في هذه الحركة هم كل من: الشاعر”تريسيان تزارا” من سويسرا، والكاتب الألماني “هوغو بُل” وزميله “ريتشارد هولسنيك”، بالإضافة إلى المصور والنحات “هانس آرب” الذي كانت أعماله أفضل من يعبر عم الدادائية،  و”مارسيل دوشامب” الذي أشعل شرارة الدادائية في نيويورك، وبهذا تكون الحركة قد ظهرت في سويسرا ثم في نيويورك وباريس ثم في ألمانيا.

 

وقد يكون أكثر الأعمال شهرة، هو عمل “مارسيل دوشامب” الذي قام بالتوقيع على مبولة باسم مستعار، ووصفها بالعمل الفني، وقد كانت نظريته في ذلك هو أن الأمر ليس في إنتاج العمل الفني أو حتى بذل أي مجهود ومهاراة في ذلك، بل هو اختيار العمل، ولهذا فإن أي شيء قد يكون عملاً فنياً حى وإن لم يمتلك أي جمالية أو معنى حقيقي، حتى وإن كان مبتذلا.

والفنان ذاته، كان قد قام بوضع شاربان للوحة الموناليزيا ، بالإضافة إلى توقيعه حاملة زجاجات جاهزة واعتبارها عملا فنيا، وبالطبع كل هذه الأعمال تندرج تحت السخرية والتهكم.

 

عمل “ديشامب” المثير للجدل

 

photo by: cea +

 

وفي عام 1916م قام هؤلاء بتأسيس نادي أدبي اسموه “كابريه فولتير” وقد جاءت تسميته هذه بسبب أن “فولتير” في أدبه كان يستخدم التهكم والسخرية كمادة أساسية، وقد كانت هذه هي وظيفة هذا النادي، فهو يهتم بالموسيقى والتصوير والشعر والأدب، ولكن بصورة تهكمية وساخرة دوما، أي بعبارة أُخرى فإنهم قد يجتمعوا فيه بهدف السخرية والنقد وإبداء آرائهم في الأعمال الفنية والأدبية.

ما قدمته الدادئية هو الصفات التهكمية الساخرة، التي ما زالت بأثرها ظاهرة بوضوح في الكثير من الفنون اليوم، وعلى الرغم من أن الدادائية كانت حركة تقوم على الهدم في أساسها، إلا أنها قد مهدت لما بعدها حركة مهمة جدا، وهي السيريالية.

 

 

 

               “إن الهدم كان ضروريا ..

                حتى يستطيع هؤلاء الماديون البؤساء أن يتعرفوا في الأطلال الباقية على ما هو جوهري”

                                                                                                                          – آرب

 

 

 

 

 

المراجع:-

1- البسيوني،محمود: الفن في القرن العشرين،مركز الشارقة للإبداع الفكري.

2- محمد،حسن: مذاهب الفن المعاصر، مركز الشارقة للإبداع الفكري.