خلدون حجازين هو فنان أردني حل ضيفا على نادي الفنون التابع لإطار فني، حيث تمكن أعضاء النادي من الاستماع لتجربته الفنية وطرح الأسئلة حول دراسته وممارسته ومسيرته.
تخرج حجازين من كلية الفنون والتصميم – الجامعة الأردنية عام 2010م ليحصل بعدها على شهادة الماجستير في الفنون الجميلة (MFA) من جامعةTufts في الولايات المتحدة الأميركية عام 2014م، كما عمل كعضو هيئة تدريسية في الجامعة الأردنية، وهو الآن يعمل كمدير للبرامج الفنية والثقافية في المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة في عمّان.
يعتمد في أعماله الفنية على الاستعارة ودمج العناصر الواقعية بغير الواقعية باستخدام تقنيات الرسم السوريالي والفن المفاهيمي لينتج أعمالا تصويرية سردية تحاكي في مضامينها مفاهيم مختلفة كالتاريخ والسلطة والاستعمار والثقافة الرائجة لا سيما من منظور الظرف العربي اليوم. في هذا المقال تتلخص مجموعة من النقاط التي تتمحور حول مسيرة الفنان ومصدر إلهامه وأعماله التي تلامس الواقع بشكل فريد.

 

حدثنا عن بداية الفن في حياتك ؟
لأسرتي دور كبير.. في صغري كانت والدتي تصطحبني معها إلى مكان عملها في متحف الحياة الشعبية – المدرج الروماني في عمان، حيث كنت اقضي معظم الوقت هناك في قاعات المتحف وبين معروضاته، فمن خلال هذه التجربة استطعت تنمية قدرتي على التأمل والتفاعل مع العالم المرئي والتشخيصات والتصويرات الصامتة على وجه التحديد. بالإضافة إلى أنني قد نشأت في محيط كانت تعج به الحياة الفنية حيث كنت أُرافق والدي موسى حجازين في البروفات والعروض المسرحية والتلفزيونية مع زملائه المؤلفين والممثلين والمخرجين، فكان لوالدي -كفنان- أثر كبير على اتجاهي الفني وتعلمي للفن الناقد والساخر وقوته وفعاليته في رفد الفكر التحرري.

 

ما كانت أهمية الدراسة الجامعية بالنسبة لك كفنان؟
كان في الجامعة في مرحلة البكالوريوس (2006 – 2010) جو من الألفة بين الطلاب والمدرسين وذلك ربما بسبب الانتقائية في قبول طلبة كلية الفنون والتصميم في الجامعة الاردينة في حينها، بالإضافة إلى أننا كنا محظوظين بالدراسة على يد كوكبة من رواد الفن التشكيلي في الأردن، مثل: عزيز عمورة، وكرام النمري، وسامية الزرو وحفيظ قسيس وياسر دويك… أما في دراستي في مرحلة الماجستير في الولايات المتحدة، فقد انفتحت على تيارات الفن الحديث والمعاصر من خلال مطالعة المعارض والبرامج في المتاحف والمؤسسات الفنية والجاليريات العالمية هناك، ووجدت نقطة انطلاق مهمة لي في تفرغي لعامين في دراسة وممارسة الفن مما ساعدني على تكوين رسالتي الفنية وإيجاد هويتي الخاصة في الفن بعدما كنت قد اكتسبت التقنيات والمهارات اللازمة في مرحلة البكالوريوس.

 

 

 

 

في الحديث عن العمل الفني بالعموم، هل ترى ضرورة لوجود مضمون ومحتوى للوحة أم يمكن الاكتفاء بالجانب الجمالي فقط؟
علاقة الشكل والمضمون في العمل الفني تبدلت عبر التاريخ في مدارس الفن، فعلى سبيل المثال كانت في المدرسة الرومانسية العلاقة ملتحمة بين الشكل والمضمون كما نادى بها الفلاسفة هيجل وشيلر، وفي الحداثة اصبح الشكل والفعل الابداعي هما المضمون والجوهر الاساسي للعمل الفني، لحين أن جاءت توجهات فنية كالحركة التقليلية (minimalism) رفضت وجود أي موضوع للعمل الفني ونادت بسيادة الشكل كليا على المعنى. تعود هذه العلاقة بالضرورة لمعطيات وحاجات المجتمع وفنانيه وبالطبع هذا كله يتغير من زمن لآخر ومن محيط لآخر ومن فنان لآخر كذلك. من هذا المنطلق لا أؤمن بشرعية وجود معيار واحد للتفضيل أو الحكم في هذه المسألة.
لكن بعيدا عن تاريخ الفن ونظريته وبرأيي الشخصي لا أعتقد انه من الممكن أن يفلت العمل الفني في كان من عرضته لاشكالية المعنى والتأويل من قبل الفنان من جهة ومن قبل المشاهد من جهة اخرى، لأن الإنسان بتكوينه وطبيعته يميل لعكس تجاربه وحاجاته أمام كل ما يراه. أما في إنتاجي الفني أميل الى التوفيق في معالجتي للشكل والمضمون حيث أنني احرص لإعطاء التجربة الجمالية والشعورية والدلالية ذات الاهمية.
أما على مستوى سياقنا ومحيطنا أعتقد انه من الصعب في ظرفنا العربي اليوم تجاهل الحاجة للبحث عن مضمون ومعنى في كل شي نصنعة ونراه، ومن هذا المنطلق أعتقد أن الفن مسؤولية اتجاه أنفسنا واتجاه محيطنا كفنانين ولو أنني أجد البعض يستغربوا من فكرة وجود مسؤولية للفن أو الفنان لتأديتها.

 

متى يكتمل العمل الفني بنظرك؟
أرى أن العمل الفني دائما عاجز عن الكمال و قد تكمن جمالياته في هذا الأمر تحديدا!! أعتبر هذا النقصان ضرورة في الفن وأعتقد أنه من مقومات الفنان الحقيقي أن ينظر لأعماله وللعالم من حوله على أنه ناقص، إن هذه النزعة هي التي تعطيه سببا للإبداع والتجديد.
لكن أحيانا قد لا تفي هذه النزعة عند الفنان لإخراج عمل فني ناجح، لذا من المهم – على الأقل من وجهة نظري – اجتماع مقومات أخرى لنجاح العمل الفني مثل توافر كل من الحبكة والتوظيف السليم للتقنية والموضوع والتوافق بين الصيغة الجمالية والتعبيرية والمفاهمية التي يختارها الفنان، وتتجلي كل هذه المقومات إذا كان العمل الفني ناتج عن ضرورة وشغف وصدق. من تجربتي.. الانتباه لكل هذه الأشياء ساعدني في إنتاج أعمال فنية أعتبرها امتدادا حقيقيا لذاتي ولهويتي الفنية والفكرية والوجدانة.

 

لنعود للحديث عن الرسالة والفكرة في العمل الفني.. هل تعتقد أنه حان الوقت في الوطن العربي لنبدأ بالتركيز على الرسالة الفكرية للفن ؟

لكل قوم أو شعب أو مجموعة من الناس حاجة خاصة من الفن، فالموسيقى والفن لدى الشعوب المترفة تختلف عنها لدى الشعوب التي تواجه تحديات أو أزمات كبيرة. ما أحاول قوله هو أن الفن هو طريقة لإكمال الحاجات والتطلعات والمساعي -كما ذكرت مسبقا- وبكل الأحوال فإن الفنان يكُرس فنه من أجل رسالة تنسجم مع وعيه الفردي والجمعي، وقد تكون هذه الرسالة تعبيرية أواجتماعية أوسياسية أو حتى جمالية بالمعنى الصرف.. فالبحث عن الجمال رسالة سامية أيضا، ولا يمكننا تفضيل أهمية أي رسالة عن الأخرى في الفن سواء على المستوى العالمي أوالعربي لأن هذا التنوع هو ما يغني ثقافة أي مجتمع.
أما إذا اردنا الحديث بخصوصية الظرف العربي فالفنان في غزة قد يرسم عمل فني قومي وسياسي أو قد يرسم باقة ورد تفيض بالحياة والجمال وسط الدمار من حوله! والفنان في لبنان قد ينتج عملا موسيقياً وطنياً أو قد يختار أن ينتج لحناً صاخباً يعبر فيه عن إرادة الحب والغناء والاحتفال في جو يملؤه الخراب والغضب الشعبي! كلها بالنسبة لي تعبيرات ناتجة عن تفاعل الفنان مع حاجاته الانسانية في محيطه وسياقه الخاص وكلاهما أشكال للمقاومة والتحرر والإصرار على الحياة من خلال الفن.

 

 

في هذه الأعمال استبدل الفنان الرأس الإنساني بالحذاء، لتتعبير عن حالة من الجشع و التسلط! وقد يكون هذا الشخص مدير أو مسؤول جشع، تزامنت هذه اللوحة مع الحادثة الشهيرة التي قام بها الصحفي العراقي برمي الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش” بالحذاء.

 

 

هل تعتبر التحرر من الشكل الواقعي واللجوء إلى مدارس فنية كالتجريدية والتعبيرية تطورا للفنان أم مهربا من الظروف المحيطة به؟

قد يكون التحرر من الشكل الواقعي تطورا للفنان وشيئا إيجابيا وقد لا يكون كذلك. أنا شخصيا أرفض المعيار التقليدي الذي اعتدنا عليه والذي يفترض بأن المسار المطلق لتطور الفنان هو بأن يبدأ مشواره الفني بالأكاديميات والتصوير الواقعي وينتهي بالتجريد، وكذلك أرفض أي شرط يفرض على الفنان بتبني أو عدم تبني قضية معينة.
لست متاكداً من كل شي في فهمي للفن لكن ما أنا متأكد منه هو عدم وجود سلماً وظيفياً أو أسلوبيا ًواحد لقياس التطور عند الفنان سواء اتجه للتجريد أو لغيره من المدارس الفنية، كل فنان يتحرر ويتطور ويقاوم تحدياته بطريقته الخاصة، وقد يختار الفنان العمل بالتوازي بين أكثر من مسار أو أسلوب فني. الفنان “غويا” على سبيل المثال عبّر في أعماله عن الحروب والخيانة والجمال والمرأة والحب وكانت جميعها رسالته، كذلك الفنان المعاصر الالماني “جيرهارد ريختر” الذي اشتهر بتنوع إنتاجه في أكثر من مذهب فني واحد.

 

هل تؤيد ضرورة أن يقوم كل فنان بقضاء وقت لابتكار أسلوب خاص لنفسه؟؟

كل فنان يستطيع أن يصنع شي مختلف لمجرد الاختلاف فيه عن الآخرين لكن النتيجه هنا قد تكون أسلوبا فنيا مفتعلا وبعيدا عن الصدق. أرى أنه إذا سمع الفنان لذاته واتبع صوته الداخلي في نهاية المطاف سوف يبتكر وينتج أعمالا متفردة بكل تاكيد، فالمشروع الفني مشروع بحث ذاتي وكل شخص فينا هو فريد في تجاربة وتكوينه وسيجد في نهاية المطاف الشكل المناسب له ليخرج ما في داخله.
أما عن الأساليب الفنية بشكل عام يبقى السؤال هل ما زال هناك ما لم يتم إبداعه في الفن التشكيلي؟ قال “ديلاكروا” في موضوع موت اللوحة: ” ما تم قولة في الرسم إلى الآن ليس كاف”. بالنسبة لي لا يمكن أن تنضب احتمالات الرسم لأن العالم متجدد وسيكون دائما هناك ما لم يقال في الفن من قبل. إذا كان الفنان منتمي لزمانه ومكانه حتما سيرى مكاناً للتجديد إما من خلال ابتكار رؤية جديدة أو بالتطوير على ما سبق بأسلوبه وطريقته الخاصة..هنا يكون التفرد بالنسبة لي.

 

بمن تأثرت بفنانين من قبلك؟

تاثرت بمعلمي الاول في الفن الفنان الراحل عزيز عمورة حيث كان لشخصيته وموقفه تأثيرا كبيراً على التزامي وجديتي في الفن لهذا اليوم، فقد كان شغفه وإيمانه برسالة الفن نموذجاً يحتذي به. أما على مستوى العمل الفني أجد أنني متأثر بآباء فن الباروك مثل “كارفاجيو” و “فيلازكيز” و”رامبراندت” كون أعمالهم تزخر بالسردية والمسرحة الديناميكية التي أبحث عنها.. أميل أيضا لأعمال فنانين المدرسة الواقعية، مثل “إدوارد مونية” و”جوستاف كوربيه” والفنان الهزلي “هنري دومية” لموقفهم الفني وتمردهم على التاريخ والأيدولوجيات الموروثة في عصرهم. أما في الفن الحديث والمعاصر عالميا أجد الإلهام في أعمال الفنانين “رينيه ماغريت” و”نيو راوخ” و”جون كارن” و”مايكل بوريمنز” و”ايرس فشر” و”نيكي نودجومي”.

بعض الاعمال الفنية للفنان خلدون حجازين بعضها تمت مناقشتها خلال اللقاء:-