تناول العديد من باحثي الخط العربي على مدى العصور عدة جوانب للخط لغوية كانت أو تاريخية (Paleography) أوأثرية (Epigraphy) بشكل مجمل أو مفصل، إلا أن قلة منهم استفردوا بدراسة الرؤية الجمالية (Calligraphy) كفن منفرد باستقراء الخط كصورة أو شكل دون ادراجها بخضم العلوم الخطية (علم الكتابة العربية) حيث تتجاذب وتختلط اللغة والفنون. ورأى هؤلاء كما – في بقية العلوم والفنون – أن الخطوة الأولى لفصل الخط العربي كفن من الفنون هي بناء القاعدة الاصطلاحية الموحدة التي تجمع كل من يريد دراسة هذا الفن كمجال معرفي متفرد. إن أول تصور صحيح لتكوين دراسة علمية لفن الخط تنطلق مفهومياً من كون الخط  (Script)هو شكل أو صورة للكتابة (Writing) وتتيعن بالمنهج المورفولوجي الذي يعتممد أساساً على دراسة الشكل (Form) . إذاً بدايةً لا بد من التمييز بين مصطلحي الكتابة والخط؛ كون الكتابة هي المصطلح اللغوي والمعرفي للـ(الخط) وثمة علاقة ترادف لغوي ودلالي بين المصطلحين. ومع إمعان النظر في المأثور العربي نرى عمومية الكتابة كونها عملية رسم للفظ/المعنى، وتعيينا مكانياً منظوراً له، وخصوصية الخط بكونه (صورة الكتابة) أو (مصور المعاني)، ونجد أنهم فصلوا (الكتابة الخطية) عن أنواع الكتابة الأخرى (الانشائية والاملائية وغيرها).

 

 

ثم ببدء تفحص بدايات الاصطلاح في نشأة الخط العربي نرى أنه لم يكن لأهل الخط سوى مصطلحين يقارن بهما مقدار اليبوسة والليونة في الخط، فأطلقوا على يابسه (الجزم) وعلى ليّنه – نتيجة الخفة والسرعة لا الابداع والفن – (المشق)، وبعد مجيء الإسلام وبالثورة المعرفية والعلمية والفنية التي أحدثها منذ القرن الأول الهجري/السابع الميلادي، أضاف تصنيفين فنيين ألى اليبوسة والليونة هما: مدى خضوع الخط لل(التحقيق) و(التحسين)، والوظيفة من الخط الذي يترتب عليها مدى الإجلال أو البساطة. وبهذا التنوع ظهر المزيد من الإبداع في انتاج الشكل الخطي المتجانس في منظومة واحدة. وكمصطلحات تعريفية لهذا الفن انتشرت على مر العصور عدة تعريفات نذكر منها: (حسن الخط) الذي كان مصطلحاً شائعاً في المصادر العربية الأولى في القرن التاسع الميلادي حتى أن العثمانيين استخدموه بلفظه التركي (حسني خط)، ومثله (صناعة أو صنعة الخط)، ثم تلاها مصطلح (الخطاطة) وهو أحدث مصطلح عربي لعملية الكتابة الخطية الفنية لكنه انتشر مجملاً في الأوساط المغاربية، أما (فن الخط) فهو المصطلح العلمي النهائي والمعاصر لهذا الاختصاص ويعود إلى بدايات القرن العشرين الميلادي. ومن ناحية أخرى يرى بعض علماء الخط أصلاً فلسفياً هندسياً لفن الخط ابتداءاً من النقطة الى الخطوط المستقيمة والمنحنية التي تعود كلها لقطر الدائرة والقوس من محيطها، وينتج عن طريقة تركيبها سبعة أوضاع /مصطلحات تمثل قوام (هندسة الخط) العربي: (الانتصاب) و(التسطيح) و(الانكباب) و(الاستلقاء) و(الانحناء) و(الاستدارة) و(التقويس) ، ورأوا أنها ممثلة لأوضاع جسد الإنسان في حركته وسكونه.

 

 

ومن هذه الأوضاع ترسخت الأصول والقواعد التي تنظم وتحكم حسن الشكل من حسن الوضع متمثلة بعمليات تركيب شكل الحرف، وتقدير أبعاد الخطوط لإكمالها وإشباعها وإرسالها، ووضع علاقات الاتصال والانفصال والمد والإضافة. واصطلحوا لصحة الخط وتحسينه من جهتي (الوزن) و(التناسب) مطالب فلسفية وعملية هي : (التجليل) وهو الكبر في الشكل، والعظمة في الشأن، والوضوح في الوظيفة، و(البيان) وهو روح الخط وبلوغه يعني أعلى درجات حسن الخط، و(التحقيق) الذي هو إبانة الحروف كلها بعمليات كتابية تتضمن كيفياتها ووسائلها وأساليبها كالتحديق والتخريق والتعريق التشقيق والتنسيق وغيرها. وبذلك يسهل على أهل الخط التمييز الفني بين الخط (المحقق) و(المطلق) أداءً ووظيفةً. وبتمييز الكتابة الخطية عن الانشائية والاملائية وغيرها تميز (كاتب الخط) عن أصناف الكتّاب، فكان للـ(المحرر) ذي الأسلوب الفني المتميز مكانة رسمية واحترافية في الدولة الإسلامية. وتطورت تسمية أهل الخط من (كاتب الخط) إلى (الكاتب) إلى (الخطاط) عبر قرون عدة حتى القرن الثاني عشر الميلادي الذي كان بمثابة الثورة الاسلامية الفنية الثانية، حيث أضاف العثمانيون مصطلحات كثيرة في الخط وكان منها للخطاطين نصيب، مثل: معلم حسن الخط، وطغراكش، وكاتب السراي. ولما تناول علماء العربية أنواع الحروف على النحو التالي: الفكرية التي هي صور الحروف الروحانية في أفكار النفوس، واللفظية وهي أصوات الحروف، والخطية وهي النقوش في وجوه الألواح وبطون الطوامير؛ اختلفت تسميات الحروف بناء على علم كل نوع واختصاصه، ولكن ما يهمنا بهذا الصدد تسميات أهل الخط – كالزفتاوي والقلقشندي والهيتي وابن الصائغ وغيرهم- واصطلاحاتهم لها، حيث تعددت تسميات الأحرف الخطية حتى للحرف الواحد بناء على تعدد أشكاله وهيئاته، فنراهم على سبيل المثال اصطلحوا للألف (أ) (المطلق) أو (المحرف) أو (المشعر)، وللباء (المجموعة) و(الموقوفة) و(المبسوطة)، وللعين (الملوزة) و(المركبة) و(المربعة)، وفي ذلك قائمة طويلة يصعب ضمها هنا. أما تسمية أنواع الخط فتعد جوهر فقه المصطلح الفني للخط العربي بل وأساسه المعرفي المميز له، وبدأت التسميات منذ القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي وحتى يومنا هذا. وكثرت مصطلحات أنواع الخط العربي بما يفوق أي خط لغة أخرى حتى عدها ابن النديم أربعين نوعاً، والراوندي سبعين وما يفوق ذلك عند غيرهما ابتداءاً من (الكوفي) و(الجليل) وانتهاءً بـ(الرقعة) و(السنبلي) في أيامنا هذه. وحين نعتبر الخط العربي فناً من الفنون فلا بد من وجود مصطلح نقدي لوصف النتاج الفني للخط، من هنا جاء (النص الخطي) بأنواعه: كـ(الطراز) وهو الكتابة الخطية على القماش، و(الإفريز) المنحوت على العمار، و(المخطوط/ المخطوطة/ الخطية) للكتب المكتوبة باليد. كما جاءت الثورة الخطية العثمانية بتطويرات على المصطلحات الفنية للمخطوط أهمها: (اللوحة) و(القطعة) و(والمرقعة) و(الحلية) و(الإجازة) و(التقدير). وبمحاذاة ذلك كله تواجدت مصطلحات أدوات الخط وكانت ثلاثيتها (القلم) و(المداد) و(الورق) هي الأركان الأساسية ثم يليها ما يليها من ادوات وعمليات التحسين والهندسة من (الشق) و(القط) و(المقط) و(السن) و(الليقة) و(الدواة) و(القالب) وغيرها.

 

 

ونهايةً نرى عند استقراء مصطلحات هذا المجال المعرفي أنه يضم عدداً كبيراً من المفردات واضحة تارة ومتشعبة تارة أخرى، لكنها جميعة تتأطر تحت معجم مفاهيم: اللغة التعريفية، والوظيفة، والشكل، والتنوع، والعمل المنجز، والصانع، والآلة والأداة، كأساس معرفي وأرضية اصطلاحية مثله مثل باقي الفنون المتفردة، وبعد ذلك نؤكد على أهمية هذا الفقه الاصطلاحي  كبداية لزيادة البحث والتأطير الموضح للخط العربي الفني (الكاليغرافي) بدراسات علمية منهجية منفصلة عن الدراسات التاريخية واللغوية وعن العلوم الخطية بالمجمل.

 

المراجع:

  • أبو حيان التوحيدي،414هـ/102م: رسالة في علم الكتابة، تـ: الدكتور ابراهيم الكيلاني، (دمشق المهعد الفرنسي،1951).
  • الدكتور ادهام محمد حنش: الخط العربي وإشكالية المصطلح الفني، (الموصل، مطبعة الزهراء الحديثة،2003)،ط1.
  • الدكتور ادهام محمد حنش: الخط العربي وإشكالية النقد الفني، (بغداد، دار الأمراء للنشر والتوزيع،1990)،ط1.
  • الدكتور ادهام محمد حنش: الخط العربي وحدود المصطلح الفني، (الكويت، وزارة الشؤون والأوقاف الإسلامية،2008)،ط1.
  • محمد بن سعيد شريفي: اللوحات الخطية في الفن الإسلامي، (دمشق، دار ابن كثير،1988)، ط1.