سعدنا من خلال لقاء شيق وغني بمحاورة الدكتور حسني أبو كريم عميد ومؤسس كلية الفنون والتصميم في جامعة العلوم التطبيقية سابقا وعميد ومؤسس كلية الفنون والتصميم في جامعة الزرقاء حاليا, وعضو في اللجنة التنفيذية لجمعية كليات الفنون إتحاد الجامعات العربية.

فنان تتلمذ على يديه الآلاف من طلبة الفنون يُحملهم رسالة الفنون السامية ويسعى لنشر ثقافة فنية ترقى بالمجتمعات.

 

بداياته مع الرسم:

بدأت الرسم من سن مبكرة جدًا, وربما منذ عمر السنتين حيث كنت أزحف على كل ما يمكن الرسم به على الجدران, وأتسلل الى حقيبة أخي المدرسية وأسطو على أقلامه وألون بها الجدران. خلال دراستي في مدارس الوكالة كان مفتاح المرسم في حوزتي وكنت في حالة من الإدمان والإستحواذ حيث كنت أنتج كم هائل من الأعمال ما يكفي لعمل معرض سنويا.

وكنت قد أنتجت في المرحلة الثانوية ثلاثة معارض تم عرضها في جامعة اليرموك, في الفترة بين ( 1976 – 1979 ) حيث تم نقل الأخير إلى بوسطن وكان يهدف الى التعريف بالقضية الفلسطينية و دعم صمود الأهل في فلسطين المحتلة .

خلال تلك الفترة كانت المواضيع المتداولة في المخيم والأوساط الثقافية فيه كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية الامر الذي انعكس على أعمالي في تلك المرحلة وفي المراحل اللاحقة , على اختلاف مستويات الطرح البصري.

إضافة الى ذلك كان للبورتريه وللمشهد الطبيعي نصيب ليس بقليل  . وبالرغم من عدم وجود أساس اكاديمي لكل ما كنت افعل, إلا أنني وفي مراحل لاحقة قد رصدت في اعمالي المبكره شيئاً مهما من القوانين والقواعد الاكاديمية في عملية الرسم . ولن أنسى أفضال أساتذتي في المراحل الابتدائية والاعدادية  مثل الاستاذ “خالد الخطيب ” و الاستاذ  “عودة اللحام” على كل ما قدموه لي من دعم وتشجيع على كل الصعد.

بعد الثانوية درست الأدب الإنجليزي في جامعة اليرموك لمدة سنة ونصف إلى حين الحصول على منحة لدراسة الفنون وبالفعل بدأت دراستي الأكاديمية للفنون في الإتحاد السوفيتي سنة 1980 وحصلت سنة 1987 على درجة الماجستير بالفنون, وبعد عودتي أقمت مايقارب تسعة معارض شخصية , ثم عاودت الدراسة في ذات الجامعة وحصلت على شهادة الدكتوراة سنة 1998.

من خلال تجربتي الشخصية وعلى الرغم من الكم الهائل من الأعمال التي انجزتها قبل الإنضمام لأكاديميات  الفنون الجميلة إلا أنني كنت قد اكتشفت ان هناك الكثير من العلم في هذا المجال وأن ما يسمى بالموهبه لا تكفي اطلاقاً لتشكيل حالة فنية مكتملة الأركان , ولربما هذه الفجوة (غياب الاساس الاكاديمي ) قد سببت لغيري حالة من الإحباط لكنها شكلت لدي حالة من التحدي وعطش للمعرفة جعلتني أستمر في هذا المجال لعمل انجاز ذا اهمية .

عن اتجاهه الفني:

تجربة النزوح القاسية جعلتني أتجه نحو الفن الفسلطيني الملتزم, مع تغيير الأسلوب من المباشرة بعد التخرح إلى الذهاب نحو فلسفة فردية في تشكيل عالم خاص بي وبأسلوب يبتعد الى حد ما عن طرح النص البصري المفتوح والمباشر في الاعمال التي تعالج القضايا الفلسفية وخصوصاً قضايا الفن الملتزم بالقضية الفلسطينية ,وأن مستوى حضور الشكل او غيابه يعتمد على طبيعة الموضوع المتناول والقضية المراد معالجتها تشكيلياً , أي محاولة دراسة تداعيات الحالة الحسية لدى المواطن العربي وعلى مختلف شرائحه حول المواضيع المختلفة.

 

الخامة والتقنية:

بالنسبة للخامة فهي التي اختارتني, والتركيز لدي على العمل المائي فقط لضيق الوقت. اشتغل بتقنية المائي الرطب وهي تقنية حساسة للغاية حيث الخطأ الاول هوالاخير, بمعنى إما أن يكون العمل على جدار متحف أو دار عرض أو يتم اتلافه.

يجب أن ينجز العمل المشغول بهذه التقنية قبل جفاف الورقة بالكامل أي خلال 40 دقيقة تقريبا ومن الممكن أن يأخذ وقت أطول إذ تم إدخال تقنية الجاف رطب خصوصا عند رسم الطبيعة , التي أمارسها كثيرا في الآونة الأخيرة كنوع من التدريب وإعادة إنعاش المفردة البصرية  لأن التفكير بالعمل التجريدي المرتبط بالمواضيع التي تعنيني مرهق ويحتاج الى جهد ووقت كبيرين.

محاوره الأساسية: 

منذ عام 1991 بدأت اعمل على ثلاث محاور أساسية وهم الجسر والمخيم والجرف.

الجسر والمخيم موضوعان استراتيجيان لهما بعد أسطوري استحوذا على تفكيري لفترة طويلة كوني عشت في المخيم وكون الجسر يرتبط بالذاكرة الجمعية الفلسطينية  وذاكرة من هم حولي بذاك المكان الذي يأتي منه الأقرباء في سفرهم من فلسطين الى الاردن. أما سلسلة الجرف ولدت عند رؤيتي للقطع الترابي الذي يفصل بين الأردن وفلسطين ولما له من وزن أسطوري على المستوى الحسي. كل من هذه المحاور تعالج بطريقة مختلفة عن الأخرى بما يخص خصوصية كل حالة منها.

 

تطور أعماله:

عند بدئي بالعرض في الأردن وجدت ضرورة لتقديم أعمال أقرب إلى المباشرة حيث كنت أُضمّن المفردة التعبيرية في حضور الشكل ضمن استعراض تقني وتشريحي وبنائي وتحليل هندسي مثل لوحة الشهيد و لوحة الأسر وأعمال المخيم الأولى. كان للشكل حضور كبير حيث أخذت على عاتقي مهمة سحب الشكل تدريجيا من سطح العمل الفني وأترك الحالة الحسية تأخذ مداها حتى تطرح بداخل المتلقي تساؤلات مختلفة, وبرصد ردة الفعل الايجيابية لدى الجمهور استمريت في تطوير اساليب الطرح البصري المختلفة .

 

كيف يمكن للفنان أن يتفادى الوقوع في مطب النمط؟

“اعمل واستمتع وشخصيتك الفنية تتبلور لوحدها دون تكلف” بعد أن يتملك الفنان مفرداته وأدواته والقواعد الأكاديمية ينساب بشكل حر وصادق. لا يوجد تجربة جديدة في الفن بل كل فنان يعد تجربة فريدة بحد ذاتها تغير مراحلها, وشخصية الفنان لا تضيع في هذه المراحل من الشكل المباشر وحتى صوفية التجريد, لأن الفنان عبارة عن كتلة حسية, ومن خلال طبيعة الممارسة وسياقاتها العلمية وكيفية تطورها في الحقول الدماغية المسوؤله عن هذا الفعل ومراكز الإدراك الحسي للصورة البصرية للصورة البصرية , يصبح الفنان عبارة عن كائن حسي يمر من خلاله العالم بمفرداته البصرية المرتبطة بالذاكرة الجمعية بمواضيع ما ليخرج عملاً فنياً مكتمله عناصره وبإنسجام تام مع الشخصية الفنية المتفردة التي انتجت هذا العمل .

 

هل من الضروري تقديم نص أو شرح عن العمل الفني؟

المفردة التي نستخدمها في إنتاج العمل الفني مفردة مركبة تركيبا معقدا جدا من الصعب الحديث عنها, يكفي إعطاء عنوان للمحور ويترك للمتلقي حرية الحوار والوصول الى علاقة ما خاصة به مع العمل الفني . يبنما اللوحة الواقعية هي نص مفتوح يمكن الحديث عنها وشرح بناءها.

في عام 2007 عملت على معرض بسلم لوني منخفض ومجموعات لونية قريبة تضع المتلقي في مساحة ضيقة تضمن توجيه حالته الحسية بما ينسجم مع العمل الذي يراه , العمل المباشر هو نص مفتوح لا يكلف المتلقي جهدا كبيراً لفك رموزه فهو يستهلك بسرعة وما يبقي المتلقي متشبثاً به ومحنفظاً به هو القيمة الجمالية وحرفية الفنان العاليه في تنفيذ هذا العمل , أما العمل الغير مباشر والذي من خلاله يطرح الفنان فلسفته الخاصه في التعاطي مع فكرة ما أو شأن جمالي ما فهو عمل قابل لأن يستمر حوار المتلقي معه الى ما لا نهاية ويحتمل التأويل وإعادة التأثر به في مراحل مختلفة وبطرق مختلفة .

 

ما الذي ينقص مجتمعاتنا لتأخذ الفنون بجدية أكبر؟

منذ عودتي من الإتحاد السوفيتي سنة 1987 أخذت على عاتقي مهمة أن يصل الفن لشرائح المجتمع كافة, وكان لدي فكرة أن أدرس عشرحالات لتقوم كل حالة فيما بعد بتدريس عشر حالات ليحصل نشر حقيقي للثقافة الفنية, وعمدت أن يتواصل برنامجي الأكاديمي الذي وضعته حتى مع الأشخاص الذين لم يناقش أي مسألة جمالية في منزلهم أو خلال مدارسهم..

 

ما النصيحة التي تقدمها للفناين الناشئين وخصوصا في ظل ما يشدهده العالم اليوم من تطور في جميع المناحي أدت بالضرورة إلى تطور مفهوم الفن ومجالاته؟

إن كل أنواع الفنون بحاجة إلى قاعدة أكاديمية صلبة, هذه القاعدة تمكن الفنان من التعامل مع أي طارىء من ايقاعات الحياة المتسارعة, حيث أن بناء منظومة حسية قادرة على تصنيف المعلومة البصرية بشكل صحيح وإرسالها إلى مراكز إدراكها بالدماغ بالإضافة إلى وجود المعرفة التقنية الأمر الذي يمكن الفنان من ممارسة عمله الفني بإستقلالية تامه وخصوصية مطلقة لا تعترف بعبثية الصدفة بل تعترف بقصدية الفعل التعبيري .

 

عدم القدرة على إنتاج عمل فني أو ” الآرت بلوك” هي من أكثر المشاكل شيوعا بين الفنانين, ما النصيحة التي تقدمها لطلبتك عندما يعانون من هذه الحالة؟

انتاج الفن بحاجة إلى قرار وجهد والإحساس بالمسؤولية إتجاه العمل الفني الذي يقدم, والفنان المتمكن من أدواته لا يحق له أن يتوقف عن الإنتاج, فالفنان الذي يمتلك قواعد أكاديمية صحيحة يرتكز على قاعدة تمكنه من معرفة أين يقف وإلى أين سيتجه فيالمراحل اللاحقة .

كنت أمر في هذه الحالة لساعات أو ربما لأيام في حال وجود ظروف معينة, والحل الذي أقدمه لطلبتي من خلال تمرين بسيط, حيث أقوم بتجهيز الكانفس أو أي سطح يراد العمل عليه  ثم أقوم برمي مجموعة لونية عشوائية فينكسر هذا الحاجز فورا وسرعان ما ستجد نفسك منخرط في عمل جديد. حتى وعند انقطاع الفنان عن الرسم لفترات طويلة وتباطأت وتيرة تفاعله مع العالم المرئي وترجمته الى نص بصري, يستطيع إعادة تنشيط تفاعله بسهولة, ويفضل في حالة العودة استقاء الصورة البصرية من شيء مرئي ثلاثي الأبعاد وحي ورصد نقاط الاستقطاب البصري في مشهد وتنظيمها وترتيبها بشكل صحيح  من خلال السكتشات المرئية والمعالجات اللونية وغيرها من تمارين, بعد ذلك تولد الحاجة لمعالجة اعلى بالمستوى وتولد حالة إثارة جديدة.

يقام في جاليري جامعة الزرقاء معرضا للفنان يضم 50 عمل يغطي فيها الفنان طبيعة الأردن من شمالها إلى جنوبها.

تالياً بعض الأعمال المعروضة في معرضه الأخير: