بالنسبة لطفل في عمر 9 سنوات، فإن تجربة اللجوء ليست بالتجربة اليسيرة، فالطفل في وضع كهذا تتشكل لديه أفكار عديدة تتعلق بمفهومه عن ذاته وهويته، التي غالبا ما تكون مشتتة، نتيجة للتغير المستمر في بيئته المحيطة، وما يرافقها من تغيرات اجتماعية جذرية.

مقال اليوم يتحدث عن بحث قامت به كل من Caroline Beauregard و Garine Papazian-Zohrabian و Cécile Rousseau

يتناول البحث دراسة حالة لطفل فلسطيني، تم منحه الاسم “علي” كاسم مستعار، لجأت أسرته من فلسطين إلى لبنان، ومنها إلى كندا، مما شكل لديه تصوّر غير واضح حول من هو فعليا، و تشتت في هوييته الجمعية (أي شعوره بعدم القدرة للانتماء لجماعة معينة)

حول البرنامج

خضع علي -ومجموعة من أقرانه- لبرنامج متخصص في أنشطة تتعلق بالرسم والسرد القصصي، وهي أنشطة متخصصة تساعد الطفل على التعبير عمّا يجول في خاطره، سواء أن كان ذلك بطريقة واعية أو غير واعية، ومن الجدير بالذكر هنا بأن البرنامج المذكور قد تم تطبيقه في غرفتين صفيتين، في مدرسة مخصصة للاجئين والمهجرين من الأطفال.

تراوحت أعمار الأطفال في البرنامج من (8 – 10) سنوات، وهو عمر يكون الطفل فيه قادرا على التعبير من خلال الرسم، باستخدام أدوات وأنواع مختلفة من المواد. أما فيما يتعلق بجنسيات الأطفال، فقد كانت مختلفة إلى أن ما يجمعهم –كما ذكرنا سابقا- هو كوّنهم للاجئين، وقد خضعوا معا لـ12 أسبوع عمل، بواقع ساعة لكل ورشة عمل، انجز الأطفال خلالها 478 رسم حر، من بينها 116 بورتريه شخصي، يعبر الطفل من خلاله عن نظرته لنفسه بشكل مخصص.

وما يتميز به هذا النوع من البرامج، هو أن الطفل يُعطى الحرية الكاملة لانجاز عمله الفني، فلا يتم إصدار أي حكم أو أي توجيه بطرقة تُقيّد رغبته في إنجاز العمل، ويقوم المسؤول عن الجلسات بتسيير الجلسة ولا يقوم بعمل أكثر من ذلك.

حالة علي

تم اختيار حالة علي من بين مجموعة من الطلبة، ليتم دراستها بعناية وكتابة البحث المذكور عنها، والسبب في ذلك هو كون أعمال علي الفنية قد عكست اضطرابا وشتاتا كبيرا، وتميزت أعماله بالغموض بالنسب لمعلماته والباحثات، حيث كان تبدو وكأنها تخفي شيئا أو صدمة ما، بالإضافة إلى عواطف فوضوية جدا.

حملت رسومات علي تغييرات عديدة خلال فترة البرنامج، فقد كانت تزداد قدرته على التعبير مع الوقت، وتعززت إمكانيته في توظيف مهاراته لمحاكاة الواقع والتعبير عن هويته.

وكوصف سريع لما أنجزه علي من رسومات، نلخص التالي:-

– عند الطلب منه أن يقوم برسم لوحة تعبر عنه من الداخل، فقد كان يرسم أحيانا زميله اللبناني، أو معلمته الكندية، مما يؤشر إلى عدم امتلاكه مفهوما واضحا ومستقلا عن نفسه.

– عند الطلب منه أن يقوم برسم بيئته المحيطة، يرسم بيوت لبنانية وأعلام فلسطينية، مما يُظهر عدم وضوح في صورته عن هويته، والتي أضاعها بين بلده الأصلي(فلسطين) والبلد العربي الآخر الذي قضى فيه سنوات طفولته المبكرة(لبنان).

– خلال الأسابيع اللاحقة في البرنامج، تعرف علي على زميل لبناني، وتقرب منه جدا، وأخذ يُقلد أعماله ورسوماته خلال عدد من الجلسات، مما يدل على أنه ما زال يعاني في تحديد هويته الخاصة والمستقلة.

وفي الفترة الأسابيع الأخيرة للبرنامج، بدأت رسومات علي تُظهر تحسنا في نفسيته وبدأت تظهر صورة أوضح بدأ علي يشكلها من جديد عن هويته. واتضح ذلك بالنسبة للباحثات من خلال بعض الرسومات الأخيرة له.

– في إحداها، قام علي برسم مدرسته وبيته، وحافلة مدرسة صل بينهما، حيث قد يكون هذا تعبير رمزي، لتشكل الحافلة جسرا يربط بين بيئة الطفل في المنزل، وبيئة المدرسة، التي بدأ يتقبلها ويتفهم الاختلافات بينه وبين زملاءه فيها. بالإضاف إلى ظهور رسومات سعيدة ببساطة، حيث رسم نفسه وأسرته بوجوه ضاحكة سعيدة تلعب على الشاطئ.

النتائج

– المساحة التي تم منحها لعلي وزملاءه بالصف، قد ساعدت الطلبة على التفريغ الانفعالي لمجموعة من المشاعر التي من الممكن بأنها لم تكن مفهومة بالنسبة للطفل، ولعبت –هذه المساحة- دورا بإعادة ترتيب الأفكار المتشابكة حول هويته، والتي تسببت بهذه المشاعر.

– قام علي من خلال هذه الجلسات، بالربط من جديد بين بلده الأصلي، والبلاد التي لجأ لها،وقد أظهرت دراسات سابقة ضرورة أن يقوم الطفل بذلك، وأن يكون قادرا على تكوين فهم واضح عن كل من بلده المضيف وبلده الأصلي.

– يقوم الطفل –بشكل عام- بالتعبير من خلال الرموز والاسقاط والحديث عن هويته، ومن الضروري أن تقوم المعلمات في مدارس اللاجئين على إعطاء الطفل وقتا ومساحة للتفكير والحديث حول هذا الموضوع، أو التعبير عنه من خلال الرموز.

المصدر:-

Making sense of collective identity and trauma through drawing: the case study of a Palestinian refugee student

  • اسماء الباحثات:-

-Caroline Beauregard

– Garine Papazian-Zohrabian

– Cécile Rousseau

  • جميع الصور المستخدمة في هذا المقال هي صور رمزية