عكست أعماله معاناة وحياة الشعب الفلسطيني على مر العقود ، واعتبرت أعماله جزءا لا يتجزأ من حياة الفلسطينيين ، لارتباطها الوثيق بتجاربهم وهويتهم ومشاعرهم.

ولد قبل تأسيس دولة الاحتلال الصهيوني بعام ، وكرّس عمله طوال مسيرته الفنية للتعبير عن الهوية الفلسطينية التي عانت من محاولات الطمس والتشويه بشتّى الطرق من قِبل الاحتلال.

الكثير من عناصر الطبيعة والتراث الفلسطيني علقت في أذهاننا كرموز ثابتة صورها لنا في أعماله عبّرت عن الهوية والوطن والمقاومة الفلسطينية.

بالتأكيد نحن نتحدث عن واحد من أكثر الفنانين الفلسطينيين تميّزاً ، سليمان منصور الفنان والمُقاوم والمواطن ، سُعدنا كثيرا بمحاورته والحديث عن رحلته كفنان منذ الطفولة حتى الان.

صورة من ورشة النحت بالطين من تصوير بكر إشتيّة

كيف بدأ سليمان منصور الطفل التفكير بالفن وممارسته؟

كنت طفلا منزوياً نوعاً ما، وأفضّل البقاء وحيداً، وكنت أقضي هذه الأوقات بالرسم، ولكن لم يظهر ما أقوم به كفن إلا عند التحاقي بالمدرسة ، توفي والدي وأنا بعمر الرابعة ، والتحقت بمدرسة داخلية مدعومة من ألمانيا، لذلك كان عليها تأثير ألماني، وكان مدير القسم الداخلي ألماني الأصل وكان محبًا للفن، قام بإنشاء عدّة نوادي طلابية و من ضمنها نادي الفن، وقد دعا كل طالب للانضمام إلى واحد أو اثنين من هذه النوادي، انضممت لنادي القراءة ونادي الفن، بعد ذلك بدأ هذا المدير بملاحظة موهبتي في الرسم، بدأ بدعمي من خلال تزويدي بالمواد والمراجع والأفلام المتعلقة بالفن، بعد ذلك بدأت بأخذ الفن بجدية أكبر ولا أتعامل معه كمجرد هواية.

أقنعني المدير بأن أشارك في مسابقة للرسم  أطلقتها الأمم المتحدة في أوائل الستينات لأطفال العالم، وكانت عن السلام، فوجئت بفوزي بالجائزة الأولى، وكانت ٢٠٠ دولار ، ويعتبر هذا المبلغ في ذلك الوقت ثروة، جعلني ذلك أحصل على إعجاب جميع الطلاب والهيئة التدريجية، حيث آمنوا جميعًا بأنني فنان، وكذلك عائلتي وأهل القرية.

أصبحت فناناً بنظر الجميع، و بدأت القيام ببعض الأعمال والوسائل التعليمية التي يطلبها مني المدرّسون، وأيضاً رسم الصور الشخصية على مقياس أكبر ، القيام بذلك ساعدني بالحصول على بعض المال.

كل ذلك كان له تأثيرًا كبيراً علي أحب تسميته بـ “غسيل الدماغ” حيث وبعد انتهائي من المدرسة دفعني كل ذلك بشكل تلقائي لاتخاذ قراري بدراسة الفنون في الجامعة ، وكان لغياب والدي وانشغال والدتي مع إخوتي دوراً في حرية اتخاذ القرار لديّ. فلم يكن والدي موجوداً ليجبرني على دراسة تخصص معين.

هل كان هناك أحد من أقربائك أو من محيطك يمارس الفن ؟

في تلك الفترة لم يكن مصطلح الفن دارجاً أو مستخدماً ، كانت والدتي تمارس الخياطة والتطريز وكانت بارعة في ذلك، لكنها لم تكن مدركة لامتلاكها موهبة فنية ، وكذلك والدي وجدّي وأعمامي جميعهم تعلّموا العزف على بعض الآلات الموسيقية في ألمانيا.

كان عمّي هو أول شهيد للصحافة الفلسطينية وقد كان مهندس الصوت في إذاعة “هنا القدس”، حيث قاموا بتفجير مركز الإذاعة في عام ١٩٣٧.

هل كان هناك كليات فنون في فلسطين آنذاك؟

لم يكن هناك كليات فنون، قمت بتقديم طلب بعثة للمؤسسة الألمانية التي كانت تدعم المدرسة التي درست فيها، وكان قانونهم في هذا الخصوص أن ألتحق بأقرب كلية فنون، وكانت في بيروت، لكن بعد ذلك بدأت الحرب في عام ١٩٦٧، في ذلك الوقت أرسلت المؤسسة في طلبي ليتم إعلامي بأن هناك كلية فنون في القدس الغربية، والتحقت في هذه الكلية.

كانت هذه الكلية من أوائل المؤسسات الثقافية والتعليمية التي أسستها الحركة الصهيونية عام ١٩٠٦ م.

أخبرنا عن تجربتك في الدراسة في الكلية؟

كشاب في مقتبل العمر لم أكن واعياً تماماً بالتفاصيل والنواحي السياسية في تلك الفترة، وفي عالم الفن تحديداً كان هناك نوعاً من الليبرالية، كان زملائي في الكلية منفتحين ، والمدرّسين يساريّين.

في البداية كان الوضع مريحاً نوعاً ما بالنسبة لي، حيث أنه تم قبولي في الكلية كنوع من الديكور، فمن مصلحتهم وجود طالب فلسطيني لتبييض صورتهم أمام العالم.

هل فرضوا عليك مواضيع أو أشكال معينة في الرسم؟

أكيد، كانت الموضة الدارجة في حينها هي التجريدية والتعبيرية، لم يفرضوا بمعنى الإجبار ولكنهم يوجهوننا إلى ذلك من خلال التعليم.

بعد فترة معينة بدأت أدرك بأن الأمر ليس طبيعياً، كان لي صديق يدرس في قسم النحت وكنا نتبادل الحديث ونشرب القهوة معاً من حين لآخر، في إحدى المرات قال لي إن كنت مؤمناً فيجب أن تؤمن بأن الله منحنا هذه الأرض، كان ردّي له بأنه لو افترضنا بأنك على حق ماذا فعلتم أنتم؟ لم تكتفوا بهذه الأرض وحسب، بل ذهبتم إلى مصر أيضاً، كنتم كمن يرفس النعمة، لم يعرف بماذا يردّ، وقد لجأ بعد هذا الموقف لأحد الكبار من حوله ليرشده بماذا يجيب على كلامي.

بعد ذلك تم استدعائي من المخابرات ليقوموا بطرح بعض الأسئلة علي من ضمنها سؤالاً حول هذا الموضوع. منذ ذلك الوقت أدركت بأن الأمور لا تسير بشكل ساذج وعفوي كما كنت أعتقد.

تعرّضت لموقف آخر أثبت لي ذلك بشكل كبير أيضاً، عندما تعرضت مكتبة الكلية للاحتراق، في وقتها توجهت لي أصابع الاتهام وأصبحت متهماً فقط لكوني طالباً من الأراضي المحتلّة. وقامت الشرطة باستجوابي، تغيّرت بعد ذلك نظرات الطلاب والمدرّسين نحوي، حيث أصبحت نظرات اتهام.

تم اكتشاف سبب الحريق لاحقاً من الكهرباء، ولكن شيئاً ما بداخلي كُسر ولم يعد كالسابق. فالعلاقات التي كنت أعتبرها بسذاجة صداقات لم تكن كذلك مطلقاً.

في بداية السنة الدراسية الأخيرة عند تسجيلي أخبروني بضرورة دفع الرسوم المتراكمة علي للسنوات الماضية، اكتشفت حينها بأنه كان من المفترض أن أجدد طلب البعثة عند بداية كل عام، ودعاني ذلك للتوقف عن الدراسة وترك الكلية. وما ساعدني لعدم التمسك في إكمالها هو أنني سأكون مُجبراً على الرسم في إطار التجريدية والتعبيرية في الوقت المتبقي لي من الدراسة.

لقد ذكرت سابقاً نية الكلية من وراء قبولك فيها وهي تبييض صورتها أمام العالم، هل تعتقد بأن هذا الأمر ما زال مستمراً حتى الآن، وكيف للفنانين الشباب أن يتصرفوا تجاه هذا الموضوع؟

لكل فنان حساباته الخاصة لذلك لا نستطيع وضع قوانين في هذه الحالة، خصوصاً الفنانين المقيمين في الداخل، حيث أن المعارض التي يقيمونها هي في دور عرض “اسرائيلية” وغالبية جمهورهم ومقتني أعمالهم هم “اسرائيليين”.

وبهذا لا يستطيعون سلخ أنفسهم عن البيئة التي يعيشون فيها من ناحية اقتصادية وثقافية. حتى أنهم على عُرضة كبيرة من تأثير الفن “الاسرائيلي”.

تهدف “اسرائيل” أن تكون جزءاً لا يتجزأ من المنطقة لهذا فهي تسعى دائما للدخول إلى أي أنشطة ثقافية و رياضية وفنية وغيرها حيث يشكل ذلك هدفاً استراتيجيا لها ويُعدّ هذا الموقف واضحاً جدا بالنسبة لي.

ماذا حصل بعد تركك الكلية؟

بدأت بإعطاء دورات تعليمية في الرسم بشكل حر، و التعليم في كلية الوكالة الى جانب بعض المعلمين الآخرين. قمنا بعمل ندوات تجمع الفنانين بهدف التعارف فيما بينهم، واحد من هؤلاء الفنانين كان الفنان “نبيل عناني“، وقد أقام معرضاً في القدس ، جذب هذا المعرض جميع المهتمين في الفن حيث حضر أشخاص من غزة ومن نابلس و غيرها من المناطق.

تكوّن فيما بيننا علاقة صداقة ودعانا ذلك لاتخاذ قرار بتكوين نقابة فنانين لتساعدنا على الالتقاء دائما ، كان ذلك يتطلّب موافقة من سلطات الاحتلال ، وقمنا بتقديم طلب في ذلك بالفعل، ولكننا فوجئنا بعدم قبوله ، شكّل هذا الرفض تحدياً بالنسبة لنا ، قمنا بتأسيس هذه النقابة وأطلقنا عليها “رابطة الفنانين التشكيليين في الأرض المحتلة” وكانت تضمّ حوالي ١٨ فنان منهم المتعلم ومنهم الهاوي، وكان أغلب المتعلمين من مصر والعراق والبعض من سوريا ولبنان.

كان أول نشاط قمنا به في الرابطة معرضاً مشتركاً في القدس ، ثم انتقل بعد ذلك الى رام الله فنابلس فالناصرة فغزّة. من هنا بدأت تبنى علاقتنا مع الجمهور والفن السياسي، حيث لاقى المعرض إقبالاً كبيراً من الناس خصوصاً في نابلس، حتى أنه دعى الى تدخّل الشرطة لتنظيم الدخول الى المعرض، فقد كان هذا أول معرض جماعي بعد حرب ال٦٧ في الأراضي المحتلة.  وقد افتتحه “بسّام الشكعة” أحد القيادات الوطنية في الأرض المحتلة.

كانت نقاشاتنا مع الجمهور ثريّة ، وكانوا يطلبون منا التركيز على مواضيع معينة مثل السجون والشهداء والتراث والهويّة. بعد أن رأينا اهتمام الجمهور بهذه المعارض أصبح لدينا نوع من المسؤولية، حيث أصبحنا نهتم بإيصال فننا الى كل المجتمع.

كان الفن يفتقر للبُنية التحتية في فلسطين، حيث لم يوجد أماكن للعرض أو متاحف أو اي شيء من هذا القبيل. كثير من القُرى لم يكن فيها حتى الكهرباء.

فكّرنا بالتغلب على هذه المشكلة من خلال بعض الأفكار مثل أن نقوم بطباعة أعمالنا على شكل بوسترات ، وقد نجحت هذه الفكرة نجاحا كبيراً، حيث لم يخلوا منزل فلسطيني خلال سنة من بوستر عن الفن الفلسطيني.

لفت هذا انتباه سلطات الاحتلال ونظروا له بعين الريبة والشك ، بدأوا بمصادرتها وفرضوا الغرامات على أي مكتبة تطبع هذه البوسترات.

 بدأنا بتلقّي الدعوات لعمل المعارض في الخارج، قمنا بعمل معرض في عمّان ، كان هناك ما يسمّى بالمركز الثقافي السوفييتي عام ١٩٧٦ م ، حضر المعرض بعض البريطانيين وأبدوا رغبتهم بنقل المعرض إلى لندن، وبعد انتقالنا الى لندن ذهبنا الى امريكا وتنقلنا بين الولايات.

تلقّينا دعوة من بيروت من الإعلام الموحّد، وعند ذهابنا قمنا باتفاق مع الفنان “اسماعيل شمّوط” رئيس اتحاد الفنانين الفلسطينيين آنذاك، وهو أن نكون فرع الاتحاد في الأرض المحتلة، حيث كان للاتحاد عدة فروع في دول مختلفة، حيث سيساعدنا ذلك بالحصول على صفة رسمية مع منظمة التحرير، بعد ذلك كنا نشارك في كل المعارض التي كانوا ينظمونها. كان لهم نشاطاً كبيرا في روسيا والدول الاشتراكية وفي كثير من الدول العربية.

هل كنت ترسم بنمط معيّن في هذه الفترة ؟

لم يتغير الفن الذي اقوم به كثيراً، إلا في مرحلة معينة عند تغييري للمواد. دائماً ما كنت ارسم بطريقة واقعية رمزية.

Yaffa, 1979

حدثنا عن مقاطعتكم للمواد الاسرائيلية والغربية في الانتفاضة الأولى.

في حلول عام ١٩٨٥ م أصابنا شيء من الملل من طبيعة سير عملنا كفنانين ، حيث كنا نقيم معرضاً مع كل مناسبة ، فقرر كل منا الخروج من هذه الدائرة. بعد ذلك بدأت الانتفاضة الأولى في أواخر عام ١٩٨٧ ، وكان لهذه الانتفاضة فلسفة خاصة وهي مقاطعة المنتجات الاسرائيلية والغربية والاتكال على الذات، سياسياً واقتصادياً.

فبدأ الناس بالاعتماد على أنفسهم غذائياً، والاستفادة من أراضيهم وحواكيرهم زراعياً.

وفكرنا نحن كفنانين أن نتبع هذا النهج ، حيث لم يكن منطقياً بالنسبة لنا أن نحصل على موادنا من مصادر غير معروفة يتم استيرادها من قِبل “اسرائيل” لنرسم مواضيعاً ضد احتلالهم لنا.

وفكرنا بتصنيع مواد خام من الطبيعة من حولنا لاستخدامها في التعبير عن أنفسنا. في وقتها تبادرت الى ذهني أيام الطفولة عندما كنت أساعد جدتي في عمل بيوت النحل ، كانت المادة التي تستخدمها هي الطين، لهذا خطرت ببالي هذه المادة فوراً. وكان زملائي الفنانون يفكرون بنفس الطريقة، منهم نبيل عناني وتيسير بركات، حيث توجّه نبيل عناني إلى مادة الجلد ، ويعود ذلك الى كون منطقة الخليل -مسقط رأسه- تشتهر بصناعة الجلود، واستعمل الحنّاء والأصباغ الطبيعية، كما بدأ تيسير بركات بتجميع ألواح الخشب غير المستعملة من أماكن مختلفة واستخدم تقنية الحرق على الخشب في انتاج اعماله الفنية.

قمنا بعمل مجموعة تحت اسم “نحو التجريب والابداع” ، حدث تغيير كبير على الممارسات الفنية في تلك الفترة، وظهر فن الكولاج بشكل كبير، ومن كان يرسم أصبحت ضربات الفرشاة لديه أكثر عنفاً.

أيضاً انتشر استعمال الحجر كرمز للمقاومة، حيث اكتسب الحجر أهمية و قدسية كبيرة في ذلك الوقت، وكان استعمال أي حجر في شكل ما يعدّ عملاً فنياً.

A couple – 1989

 إلى كم استمر اعتمادكم على هذه المواد الطبيعية في عملكم؟ وما هي رمزية الطين بالنسبة لك؟

بالنسبة لي فأنا أستعملها حتى اليوم متى ما راودتني فكرة لعمل ما، ولكن كانت التجربة الغنية هي الفترة الممتدة من عام ١٩٨٩ إلى ١٩٩٦، ومؤخراً بدأت الجمع بين الألوان والطين في العمل الواحد.

للطين رمزية كبيرة، فهو المكوّن الأساسي للأرض ، فبدلاً من رسم الأرض أصبحت أستعمل مادة الأرض ذاتها. والطين له معانٍ مرتبطة بالإنسان، حيث أن الانسان مخلوق من طين وسوف يعود إلى الطين.

كما أرى بأن التشققات التي تظهر على الطين ترمز بشكل ما إلى التجزئة التي تعرضت لها فلسطين، بعد بناءهم للجدار الحاجز والمستوطنات ومصادرة الأراضي ووضعهم لخمسمائة حاجزاً قطّعت أوصال الأرض المحتلة.

Shrinking object, 1996

اعتمدت بأسلوبك الفني على الرمزية بشكل كبير، حدثنا عن أكثر الرموز تكراراً في أعمالك وكيف ظهرت الرمزية في تجربتك الفنية عبر الوقت؟

كان تركيزنا كمجموعة فنانين فلسطينيين في الأراضي المحتلة تحديداً على موضوع الهوية ، واعتمدنا على أربعة مصادر أساسية؛ أولها الفنون القديمة مثل ( الفن الكنعاني والفرعوني والآشوري والإسلامي خاصة الخط العربي والزخرفة).

ثانياً التراث الشعبي؛ ويشمل (الأزياء الشعبية والتطريز، والأرض) -حيث أن شكل الأرض هو من صُنع آباءنا وأجدادنا، فهم من صنعوا السناسل الحجرية وزرعوا الزيتون والتين، وهم من قاموا ببناء القرى والبيوت الحجرية- وهذه كلها رموز فلسطينية اعتمدنا عليها.

القرية الفلسطينية وثقافتها والأدوات التي تم استعمالها والخبز وعلاقة الفلاح بالأرض من خلال الحصاد والحِراثة والزراعة وقطف الزيتون ، كل هذه الأمور كان لها دوراً مهماً في إبراز الهوية الفلسطينية، حتى أن بعض الأشجار أصبحت جزءًا من هذه الهوية وترتبط بفترات زمنية لأحداث مهمة، فمثلا شجرة الزيتون ترمز للأرض المحتلة بعد عام ١٩٦٧م، وشجر البرتقال يرمز للأرض المحتلة في عام ١٩٤٨، وشجر الصبر يرمز لجذور الفلسطينيين في أرضهم وصبرهم، والكثير من النباتات مثل الدحنون الذي يرمز لدم الشهيد.

كانت هذه المواضيع على قدر كبير من الأهمية لدى المتلقّي الفلسطيني وتعنيه بشكل مباشر وتبني بينه وبين الأعمال الفنية التي تحملها ارتباطا وثيقاً.

Al-Quds, 1983

لقد بيعت الكثير من المطبوعات التي استخدمت أعمالك الفنية بأشكال عدة على مدار السنين، هل كان هذا الأمر مزعجاً لك بأي شكل؟

نعم لطالما كان هذا الأمر مزعجاً بالنسبة لي ، حتى أنهم  في كثير من الأحيان لم يرفقوا إسم الفنان مع العمل. كان بعض ممن يقومون بذلك يقتاتون من خلال ذلك ولكن الكثيرين قاموا باستغلال أعمالي بشكل جائر.

أصبح من المعروف بأن هذا الوضع هو بمثابة شيء طبيعي في العالم العربي حيث نفتقر كثيراً لحقوق الملكية الفكرية وحقوق النشر.

مؤخرا قمت بعمل موقع إلكتروني لغاية توثيق أعمالي، رغم فقدان جزء كبير منها خصوصاً في حرب لبنان عام ١٩٨٢م، حيث كانت موجودة في بيروت / الاتحاد العام للفنانين ، وتعرض غالبيتها للسرقة وبعضها صُودرت من قِبل سلطات الاحتلال.

ما رأيك بالفنان الفلسطيني التشكيلي الشاب في الوقت الحاضر؟ وكيف تصف الفن المعاصر في فلسطين؟

مثل كل وقت مررنا به هناك مشاكل تواجه الفن الفلسطيني، وأعتقد أنها زادت في الآونة الأخيرة، ولكن لا شك بأن هناك فنانين جديين الذين يمكنهم تجاوز هذه المشاكل.

يعتبر الانترنت على سبيل المثال مفيداً من جهة ومن جهة أخرى مضراً، فإذا كان الفنان غير واعياً لعمله ولا يحمل رسالة واضحة سوف يتأثر بكم الصور التي يتلقاها على الانترنت ويصبح ضائعاً بين التأثيرات الفنية من العالم كله.

ليكون الفنان ناجحا يجب أن يكون مرتبطاً مع تاريخه وشعبه ومنتميًا لهم، غير ذلك سيكون ضائعاً وغير صادق بما يقدّمه، وهذا الشيء يكون واضحاً على العمل الفني، ولن يملك أي تأثير على الآخرين أو يكسب ثقتهم.

عن البطيخ كرمز:

عام ١٩٨١ تحدثت للصحافة عن البطيخ كرمز وكان معي فنانَان آخرَان تحدثوا عنه أيضاً ، ولكن أحدًا لم يلاحظ فكرة الرمز هذه. وفي عام ١٩٩٨ ذهبنا في رحلة إلى فرنسا لإقامة معرض جماعي وكان الفنان “خالد حوراني” ضمن المجموعة وسردت له قصة البطيخ ، وقام بعمل لوحة رسم فيها البطيخ، ولكنها أيضاً لم تحظى باهتمام ولم تصبح رمزا. ولكن فكرة رمزية البطيخ عادت بشكل قوي في الأحداث الأخيرة في حيّ الشيخ جرّاح بشكل غير مفهوم. يؤكد لنا هذا بأن قضية الرمز ليست بسيطة وتدعوا للتساؤل عن الأسباب التي تدفع شيئا ما لأن يصبح رمزاً.

لا يتعلق الأمر بالبطيخ بحد ذاته، لـ”إسرائيل” دور بذلك بلا شك، ففي فترة الأحداث تعرضت امرأة تحمل العلم الفلسطيني في مظاهرة في باب العمود لهجوم من جندي اسرائيلي وقام بتمزيق العلم ، أي أن منع رفع العلم الفلسطيني هو ما ساعد بظهور البطيخ كرمز بديل عن العلم، حيث في الماضي لم يكن رفع العلم الفلسطيني ممنوعاً وبهذه الطريقة الفجّة، لقد كان ممنوعاً في الانتفاضة ولكن بعد اتفاقية أوسلو أصبح العلم الفلسطيني في كل مكان.

في الأحداث الأخيرة في حيّ الشيخ جرّاح أصبح رفع العلم الفلسطيني تُهمة، إسرائيل تمنع العلم لأنه يرمز للشعب وهذا ما لا تريده.

Quiet morning, 2009

سؤالنا الأخير بعد حوار طويل وغنيّ هو: ما النصيحة التي تقدّمها للفنانين الفلسطينيين الشباب والفنانين العرب بشكل عام؟

خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا أصبح أي عمل فني يحمل موضوعاً سياسياً واجتماعياً هو عمل غير جيّد، ويُصنّف كبروباغندا. ولم يزل هذا الفكر موجوداً لدى كثير من الفنانين حيث أنهم يتجنبون الرسم بموضوعات سياسية واجتماعية لأنها غير جيّدة في نظرهم. وبعد انتهاء الحرب الباردة أصبح من النادر إيجاد عمل فني لا يحمل فكرة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو بيئية أو أي فكرة تُعبّر عن قضية تهمّ الفنان.

من المهم للفنان أن يجد موضوعاً نبيلاً كي يُعبر عنه من خلال فنه، بالنسبة للفنانين الفلسطينيين فالموضوع جاهز، أمّا الفنانين العرب فلو فتّشوا قليلاً سيجد كل فنان موضوعه، لكل بلد همّه سواءً السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي. لذلك فعلى الفنان أن يكون على هذا القدر من الحس ليكتشف ويتعمّق في هموم وقضايا بلده ليعبّر عنها بصدق.

أودّ أن أضيف أيضاً نصيحة فيما يخص التعامل مع الأدوات الفنية المُعاصرة، مثل الكاميرا مثلا وصناعة الفيديو ، وهي أدوات جيّدة لمن يعرف التعامل معها، حيث يجب استخدامها لغرض إيصال الفكرة وليس بهدف تسهيل الفكرة، فكثير من الفنانين يستخدم هذه الأدوات بغرض التسهيل على أنفسهم.